لا يخرج الإرشاد الصحيح، ولا تأتي بوادر الاقتداء السليم، ولا حتى السعيّ الناجح بعد التوالي على خطوات أحد الناجحين، إلا بالتجارب الحقّة، والبراهين الأكيدة.. ولم تقمّ أصول العلوم، ومكارم الأخلاق، وأساليب التربية، والنشأة، والتعليم.. إلا على تجارب من الأولين والسابقين، والقائمين عليها الآن. لا يأخذ شيء في هذا العالم حيزاّ، إلا إن كان ذا برهان وتجربة عالية، حتى وإن كان غير واقعي أو حتى غير محسوس، لا يتخذ بعض الناس مسارات حياتهم إلا حينما يعتبرون من تجارب غيرهم، فيظهر عليهم الأثر الجليل. مسألة التجارب، والقيّم، والشخصيات.. والأخبار والأحاديث المتوارثة ما بين كُلَّ جيل عن آخر، تسهم وبشكل كبير، على من يتبعهم في نفوس الأفراد، وحال المجتمعات، فكم من تجربة في أي مجال كان، علمياً أو نفسياً.. ثارت، وعُبرّت فنشرت، حتى غيرت، وأثرت. والآن في وقتنا الحالي، تجدّ بعضهم يتخذ من تجارب بعضهم الآخر مقياساً واضحاً، ومعياراً أساسياً لجزء من أمور حياتهم، كاختيار تخصص جامعي معين، أو التقيّد بمنصب، أو وظيفة، حتى التطوع أو الترشح.. لمراكز عدّة. بلّ والتجارب، في العلاقات العامة والخاصة، والتعامل مع الآخرين، خصوصاً فيما يخص الآباء والتعامل مع أبنائهم وطرق تربيتهم، تجد بعضاً منهم حريصاً كُلّ الحرص، على أن يرى تجربة فلان وفلان ويمحصّها، فيقتدي بها فيما شاء، ويعتبر منها في تجنب الأخطاء. فمسألة التجارب كما ذكرت سلفاً، هي الأخذ بما مرّ به الآخرون، ليست بأمر جديد، بلّ متعارف عليّه من بداية ضخّ الحياة في هذه الأرض، ونشأة البشر مع بعضهم، ولكنّ غير المتعارف عليه حقاً، أن أتنازل عن بعض مبادئي، فاتخذ من نفسي شبيهاً لهم، ونسخة طبق الأصل عنهم، أو أستسخر بعض مبادئ الآخرين، فأهين تجاربهم وأنكرها. فهذا ليس بالاقتداء السليّم، وليس بالاحتكاك والتعرف المنشود هنا.. بلّ هو خطأ فادح، يطمس الروح، ويخربش سلوكياتها.. حتى باتت سلوكيات الناس مثل بعضها. فما الذي قد يتمايز بهِ الناس بين عشائر جماعاتهم، وما الذي سيجعل فردا عن فرد مختلفا؟. البحث عن التجارب، والأخذ بالنصيحة التي لا تصدر إلا عنها، لابّد أن يراعي الشخص فيهما أمران: ملامح ذاته، ومبادئها، فلا يطمسها بين عِلمٍ من ذاك، وأصلٍ من تلك.