الاختلاف بين أبناء البشر طبيعة وليست شذوذا، ولله في خلقه شؤون فتجد الجمال قائما على تعدد الصور والقرارات، والاختلاف في التقييم والنظرة، وهذا بطبيعة الحال لا يدعو للقلق والشك والخوف من الآخر، عندما نختلف في قضية دينية أو فكرية أو ثقافية أو اجتماعية ويطرح الموضوع للمناقشة الغاية من ذلك الوصول إلى الحقيقة في المقام الأول وهذا مستحيل فكل واحد منا له رأيه وثقافته كما أن البيئة الاجتماعية هي المكون الاجتماعي لتكوين ثقافة الفرد ونقصد بهذا الدين والعرق والمذهب والأسرة. لا يمكن تعريف الاختلاف في نقاط سريعة فالمقام لا يسع لذلك، الاختلاف كما هو معروف عند أهل اللغة ضد الاتفاق، واصطلاحا يعرف بالتباين في وجهات النظر وذلك عبر التفاوت في الإدراك العقلي. لعل من أهم الأسباب الموجبة للاختلاف في وجهات النظر بين الناس هو دور العقل في قراءة الحدث وكيفية التفاعل مع الموضوع حسب الثقافة التي تربى عليها فمتى ما كان إدراك الفرد عاليا وموضوعيا كان تقييمه للأحداث أقل خطأ وأقرب للصواب، وكلما كان الإدراك ضعيفا وهي طبيعة أغلب العوام المؤدلجين وفق رؤية تعصبية ترفض الآخر وتقصيه ولا تدع له مجالا ليطرح رأيه بكل حرية بل يقبع ويحارب كونه اختلافا مع الأغلبية المطلقة، فهم لا يؤمنون إلا بقانون الأكثرية دائما على حق. كما أن بعضهم غايته من الاختلاف ليس الخلاف في حد ذاته إنما تعميق الخلاف بين أبناء المجتمع الواحد ووضع الملح على الجرح. لا يمكن تفسير مع من يختلف معنا بالعصيان لله ولرسوله ومحاسبتهم على النيات وهذا ما يقع فيه شريحة كبيرة من المجتمع أو الإيمان بثقافة أنت معي أو ضدي. في اعتقادي أن وجود آراء متعددة لا يمكن تفسيرها على أنها ظاهرة سلبية بل يمكن توظيفها في تدعيم الآراء التي من شأنها لملمة الرأي العام لتقريب وجهات النظر. جميل عندما نختلف أن لا يطعن بعضنا بعضا من الخلف ولا تشن حملات تسقيط وتشويه وخلق حالة من الفوضى داخل المجتمع، من حقي ومن حقي غيري أن يبدي رأيه وأن يكون النقاش معه بكل أدب واحترام وأن يكمل كلامه حتى النهاية وأن نحسن الظن في الآخر ونبتعد عن ثقافة التخوين التي أهلكتنا ومزقتنا كوننا نختلف مع ذاك الرمز أو ذلك التيار. ولهذا نجد القرآن الكريم يبين هذا الجانب من خلال الآيات التالية (وَلا يزَالُون مُخْتلِفين) وقوله تعالى (إنَّكُم لفِي قولٍ مُخْتلِف) وكذلك (﴿إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بينهم يوْم القِيامةِ فيما كانوا فيهِ يخْتلِفون) وقوله تعالى(لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) إذن الاختلاف ثقافة موجودة في كل المجتمعات البشرية وعلينا التعامل وفق رؤية خصصها البارئ عز وجل وعلينا الاقتداء بذلك. ومن يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجد كيف نشر دعوته بعيداً عن التصادم بل كان يكره القتال إلا إذا اقتضت الحاجة لذلك كان يدعوهم بأخلاقه لا بسيفه وكان على اطلاع عندما ذهب للمدينة على التعددية في الأديان والشرائع فتقضت الحاجة الحوار معهم بكل مرونة. هناك من يشجع على ثقافة الاختلاف وهناك من يقاتلك من أجل الاختلاف يقول الزعيم الهندي غاندي ((الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء) لذا نجد غاندي أصبح محبوباً عند جميع فئات المجتمع الهندي كونه أصل لثقافة الاختلاف مع الآخر. كلما كان الاختلاف قائما على الود والتقدير والابتعاد عن روح التعصب ونزعة الجموح، وتفصح المبهمات عن حقيقتها، أصبحت ثقافة المجتمع الرقي والتكامل في وجهات النظر.