حينما تتسلم مقاليد المسؤولية في أيّ مجال كان، وفي أي مرتبة فاعلم بأن أمانتك هيّ من تقيّم استحقاقك للمنصب من عدمه في أيّ قطاع كان حكومياً أم خاصاً، إنَّ قضية الأمانة، وسرعة إنجاز المهام بدأ الكُلّ بالتشكي منها، من مراجعين وعاملين.. والموظفون أنفسهم بدأوا بالتشكي من قِلّتها بينهم. الآن وفي الدوائر الحكومية تجد نفسك متنقلاً، ما بين مكتب ومكتب وموظفٍ لآخر فقط لتنجز معاملة بسيطة، أو تصريحاً مختوماً بتوقيع من أحدهم. ولنبسط الصورة قليلاً فتجد حتى المستشفيات، من أقسام شركات التأمين الصحيّ وإدارة المستشفى ترى المريض يهلك ما بينهما لأجل الحصول على توقيع واحد فقط، إن الإنسانية الآن قد تم تجريدها من معالم الوظائف، فبعضهم -وإن لم يكنّ الكُلّ- يسعى لمطالبه الخاصة ومصالحه المعنيّة بِه وحده. تجد أحياناً موظفاً في تكييف ومكتب فخم، ومهامٍ قليلة، تدخل عليه وتلقي التحية تقدم طلبك ليرمقك بنظرة واهية بكل بساطة، ويجيب عليك بإحدى الكلمتين «راجعنا»، أو «روح للمكتب الثاني»، فتجد نفسك كعملة يتم تداولها، ما بين شخص آخر وهاتف وآخر، ومكتب وقسم، بلّ إن المدارس الآن بأي احتياج يطلبه الطالب؛ يتمّ تحويله بين الإداري للمراقب لوكيل شؤون الطلاب ولغيره من الأقسام، إما لمكالمة والديّه، أو لغرضٍ مهم طرأ عليه. تكاسل بعضهم وتهاونهم بالأمانة، لم يعدّ يقتصر عليهم فحسب؛ بلّ بات أحد أهم مثيرات تنمية المجتمع، والعلاقات العامة وكفّ الحاجات. ناهيك أساساً عمَّا أعد الله من جزاء، لذوي الأمانة والعدل في أعمالهم، خصوصاً من يحملون مناصب عليا، تجعل أمور البشر بين أيديهم. رسالتي لكلّ من منحهُ الله ركنّ ثقة، وأعطاه من المنصب أو القدرة ما لم يعطها أحداً غيره أن يتقي الله بكلّ ما يمر عليه من أبسط الأمور لأعظمها، وأن يقدرّ وقت العميل وجهده، ويحترم طوارئ أمره. فإن لم يجعل منصبه مكسباً له، لا يدعه نكسة عليه. فثقافة الأمانة إن عدمت، عدمت الإنسانية، وعلى إثرها؛ انهارت مصداقية المجتمع.