لن آتي بجديد إذا قلت لكم إن أبناءنا أصبحوا أسرى لهواتفهم المحمولة ولما تحمله من تطبيقات وبرامج تطوف بهم شتى أنحاء العالم، ولكن الجديد والمخيف أيضاً في نفس الوقت هو أننا وبكل صراحة قد فقدنا زمام المبادرة في تربية أبنائنا، وأصبحنا كمن يرى الغريق وهو يصارع الموت ولا نستطيع إنقاذه ليس كرهاً فيه أو حباً في هلاكه ولكننا نعجز عن ذلك إما لقلة مهارتنا في خوض غمار البحر أو لعدم توفر أدوات السلامة أو سوء استخدامنا لها وهذا هو ما يحدث لنا تماماً مع أبنائنا عندما نراهم وهم ناكسو الرؤوس أمام شاشات جوالاتهم وكأن على رؤوسهم الطير، وقد يزداد الأمر سوءاً عندما يكون الأب جاهلاً بكيفية تشغيل تلك البرامج التي يتصفحها أبناؤه أو أنه غير مهتم بهذا الأمر إما لانشغاله بوظيفته أو بأعماله الخاصة، وهنا سيصبح الابن أو البنت فريسة لهذا الجهاز وبما يتضمنه من تطبيقات متعددة ومتنوعة وسيئة أحياناً، حيث ستصبح هي مصدر معلوماته وهي الموجه الحقيقي له بعيداً عن أعين الوالدين، بل إنها قد تكون سبباً في تدميره وسبيلا لاستلاب فكره وعاطفته وربما ابتزازه في أحيانٍ كثيرة. وأنا هنا لا أدعو إلى أن يكون الآباء سيوفاً مسلطة على رؤوس أبنائهم ولا أن يصبحوا قيوداً تعيق حركتهم وحريتهم ولكن قليلاً من الإلمام بهذه التقنية وبهذه البرامج قد يجنب الأبناء كثيراً من المشكلات ويمنح الفرصة للآباء لتقديم النصح والتوجيه لأبنائهم فيما يخص هذه التطبيقات والبرامج وما تحويه من مضامين قد تكون سيئة في بعض الأحيان. وبطبيعة الحال فإن الكل يجمع على أن هذا الجيل من الأبناء يختلف اختلافاً كلياً عمن سبقه من الأجيال السابقة وذلك بما تهيأ له من تقنيات متطورة سهلت له الحصول على المعلومة وأكسبته دراية واسعة بكيفية التعامل مع هذه التقنيات حتى إنك تجد أن الطفل الذي لم يتجاوز عمره سبع سنوات يستطيع الإبحار في أي تطبيق أو أي برنامج على أجهزة الجوال بكل حرية وبكل بساطة، ولذلك فإن من الواجب على الآباء أن يسايروا العصر وأن يلحقوا بركب أبنائهم إن صح التعبير لكي يتمكنوا من استعادة زمام التربية المفقود -مع أني أشك في ذلك- ولكن لابد من التجربة والمحاولة إما عن طريق التوجيه غير المباشر أو المراقبة غير المباشرة وقبل كل ذلك الحرص على تحصين الأبناء منذ الصغر وذلك بجعل الطفل هو الناقد لكل ما يعرض أمامه وهو المتحكم في اختيار ما يناسبه ورفض ما قد يسيء له بناء على ما اكتسبه من والديه من حصانة دينية وثقافة مجتمعية، أما غير ذلك فإن كل المحاولات ستبوء بالفشل في عصر التقنية وسيصبح الآباء في مأزق تربوي كبير، والأبناء في تيه فضائي وتقني كبير أيضًا.