في مجتمع كمجتمعنا يشكل طلبة العلوم الدينية بكل فئاتهم الخطباء منهم والعلماء ركيزة يتكئ على سلوكها بقية المجتمع ويتخذها قدوة ويقال في علم الاجتماع إن المجتمع المتحضر هو ذو الخلفية الدينية المتحضرة والمجتمع المتخلف هو ذو الخلفية الدينية المتخلفة فالسلوك المجتمعي كلما كان ذا قيم ومبادئ متقدمة كانت قدوته المشعل الذي ينير له درب الرقي، في الحين الذي نجد مجتمعاتنا تنغمس في الممارسات الخاطئة الجمة وما نحن إلا كنتون من كنتونات التخلف الجمعي فحين لا منتظم مروريا فذلك لأن الخلفية الدينية بكل عناصرها لم تهتم بذلك فتجدنا متخلفين مرورياً وفي الطرقات والإشارات كما نحن في التعامل مع البيئة والطفل والمرأة والحيوان فتلك تشكل مفاصل ثقافتنا ومدارك سلوكنا التي أهملها القدوة فصارت مقياسا لما نحن فيه من اعوجاج في القيم فلا تعامل مع الطفل أو المرأة ولا حماية للحيوان والبيئة في أخلاقنا فالقدوة ليست مهتمة بهذه المفاهيم الحضارية التي يقاس تقدم المجتمعات من خلالها ويتجلى ذلك في غياب القدوة فيما نراه في الأفراح والأتراح حين يتخطى المتدين بزيه الورع وسمات التقوى كل طوابير الناس وانتظارهم ليكون له السبق في المقدمة على الناس والمنتظرين في منظر يضج بالفوقية والتمييز الطبقي وفي قدوة بشعة فجة لبقية الناس إنه لا يحترم النظام ولا الطابور مما أعطى الفرصة سانحة لأصحاب الوجاهة والثراء للاقتداء بهم فما يكون مشرعا دينيا ومن متدينين لا بأس به لغيرهم كذلك القدوة في عدم السلام على الحضور والتصدر في صدر المجلس ليتهافت الناس للسلام عليه كما عودهم وكنا زرع فيهم من توقير العلماء وتقديرهم لما في جلب مصلحته فكيف يدعو بذلك لنفسه وهو التقي الزاهد الورع يتزاحمون للجلوس بجوار بعضهم بعضاً في الصدارة لحسابات بينهم يدعون العامة لتجنب هذا السلوك تواضعاً في حين أن بقية الناس يدخلون في تناقض نفسي وسلوكي بين ما يسمعون من قيم ومبادئ وما يشاهدون من نقيضها سلوكا وعملا كما في الانحناء لتقبيل أياديهم ورؤوسهم دون ردع منهم ولا تطبيق لما يجب أن يكونوا عليه من اقتداء للآخرين. هكذا نصنع التخلف من القدوة فحين نرى المثال الأعلى لنا يمارس السلوك الخاطئ نسلكه نحن على أنه الصواب لأن قناعتنا رسخت أن ما يفعله ذاك المتدين هو الصواب هكذا تبنى كل قواعد المجتمع على باطل وما بني على باطل فهو باطل.