كثيراً ما يحب الإنسان أن يبدأ صفحة جديدة في حياته، ولكنه يقرن هذه البداية المرغوبة بموعد ما، وهو في هذا «التسويف»، يشعر بأن مدداً قد يجيء مع هذا الموعد. عبدالله: إن الزمن سائر لا ينتظر أحداً، وأن كل تأخير لإصلاح الذات ما هو إلا إطالةٌ لفترة استعبادك من الشياطين والشهوات، لبقائك مهزوماً أمام نوازع الهوى و«التفريط»، فما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم حياته بين الحين والآخر، وأن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف على عيوبها وآفاتها، ويرسم بعدها خطة موزونة بمراحلها للتخلص من هذه العيوب والآفات، التي «تزري». كلنا حينما ننظر إلى أدراج مكاتبنا، سنجد أوراقاً مبعثرة، وقصاصات متناثرة، وسجلات متراكمة، يدفعنا ذلك إلى أن نضع كل شيء في موضعه الصحيح، وأن نرمي في سلة المهملات ما لا معنى للاحتفاظ به، وكذلك البيت، وما فيه من أثاث غير نظيف، أو غير مرتب، فإن الأيدي تجول هنا وهناك لتنظيف الأثاث، تطرد القمامة الزائدة، وتعيد كل شيء إلى جماله ونظامه. عبدالله: ألا تستحق حياتك مثل هذا الجهد؟ ألا تستحق نفسك أن تتعهد شؤونها بين الحين والآخر، لترى ما اعتراها من اضطراب فتزيله، وما لحق بها من إثم فتنفيه عنها، مثلما تنفي القمامة عن «الساحات الطاهرة»؟ ألا تستحق نفسك بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن تعيد النظر فيما أصابها من ربح أو خسارة، وأن تعيد إليها توازنها واعتدالها بعد أن «رجَّتها» الأزمات، وهزَّها العراك الدائم على ظهر هذه الأرض مع الشياطين والأهواء؟ إن الإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه، وتعهد حياته الخاصة والعامة بما يصونها من العلل والتفكك والتسيّب والأوساخ. في هذه اللحظة يستطيع كل امرئ أن يجدِّد حياته، وأن يعيد بناء نفسه على ضوء أشعة من الأمل والتوفيق واليقظة. إن صوت الحق يهتف في كل مكان، ليهتدي الحائر، ويتجدد البالي، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فيعطى، هل من داعٍ فيستجاب له، هل من مستغفر فيغفر له، حتى ينفجر الفجر». رواه مسلم. فلا تؤدنك كثرة الخطايا، فلو كانت مثل زبد البحر لم يبالِ الله عز وجل بأن يغفرها، إن اتجهت إليه قصداً، وانطلقت إليه ركضاً. إن تجدد الحياة ينبع قبل كل شيء من داخل النفس.