بهذه المناسبة تحدث الدكتور عبدالله مناع ل «الشرق» إن مدينة جدة أصبحت مثل الفتاة اليتيمة بعد أن كانت تشبه العروس التي تسر رؤيتها الناظرين، مطالباً وسائل الإعلام تأمل حال المدينة على أرض الواقع، والتوقف عن المديح والدعاية المجانية. وأضاف: جدة تراجعت كثيراً إلى الخلف، وأصبحت تعاني بشدة، ولم تتقدم خطوة واحدة، ويجب أن نكون صادقين مع أنفسنا حتى نعالج أساس المشكلة. وأشار الدكتور مناع أن هناك تضارباً في عمل الجهات الحكومية، وليس هناك تنسيق في ما بينها، موضحاً أن انهيار مباني جدة التاريخية دليل على ذلك، وهذه المباني التي يتفق جميع المهتمين والمعماريين على أهميتها الرمزية، وقيمتها التاريخية، وتعتبر من التراث الإنساني، أصبحت تعاني من الإهمال، وكل يوم نسمع عن انهيار مبنى تاريخي، مضيفاً «هذه البيوت تذوب وتتلاشى مثل قطعة السكر في الماء، ولا نجد من ينقذها، ولا نرى جهداً ملموساً للحفاظ عليها من الجهات المختصة». واستغرب الدكتور مناع غياب دور المجلس البلدي، معرباً عن دهشته قائلا: انتخبنا أعضاء المجلس البلدي، لكنهم لم يفعلوا شيئاً، وكيف انتهت الدورة الأولى للمجلس بدون أي نتيجة. وفسر ذلك بغياب الصلاحيات الممنوحة للأعضاء المنتخبين، حتى يستطيعوا القيام بواجبهم، في الرقابة وتصحيح الأخطاء. ويروي مناع في كتابه الجديد كتاب «تاريخ ما لم يؤرخ.. جدة الإنسان والمكان» حكاية مدينة لم تعد تعرف نفسها، محاولا إنعاش ذاكرتها، وتدوين مآثر أبنائها، لعل ذلك يساعد في الاحتفاظ بما تبقى من ملامحها القديمة، وإنقاذ روحها من عوادي الزمان.ويفصح مناع بنبرة حزينة أن جميع هؤلاء غادروا الأمكنة، لكنهم لم يغادروا القلب، وأدركوا بالفطرة معنى الانتماء إلى المكان، وأسهموا في نهضة جدة وتكوين هويتها، فكانت ذكريات الكاتب عنهم، وفاء للأحبة ولاستعادة حضورهم المتألق في أعماقه، وحنيناً إلى تجاربه الأولى ومرابع الصبا.ويسرد مناع في فصول الكتاب الذي كان مشروع حلقات إذاعية بثها البرنامج الثاني من جدة في رمضان من عام 1427ه، حكاية عشق مع تلك الأمكنة التي يفوح منها عبق التاريخ، ويصور لمحات من سير حياة ساكنيها ومواقفهم الإنسانية التي يصفها بالتعبير التلقائي عن طباعهم وأخلاقهم التي فطروا عليها، دون زيف، أو تصنع، لتشكل بعفويتها وتلقائيتها وميراثها الحضاري وجدان حارات جدة وثقافتها إجمالاً.ويعدد مناع أسباب شغفه بتذكار تلك الحكايات إلى عطشه لمشاركة القراء أسرار لياليها الشجية وصباحاتها المشرقة، وكذلك دعاه الإحساس المفرط بثقل الدَّين الذي طوقت به جدة عنقه من الحب والعناية لتحويل ذكرياته إلى نص مكتوب بعد الأصداء الطيبة التي وصلته من المستمعين بعد إذاعة البرنامج، مقترحين عليه جمع تلك الأحاديث ونشرها في كتاب مطبوع. ويختم الكاتب الكبير سطور مقدمته للكتاب الجديد بقوله، أتطلع يقيناً إلى بسمة رضا من شفاه أهالي جدة وعشاقها، وإلى ومضة فرح في عيونهم بأن ماضيها لم يذهب سدى، وإلى أمل في قلوبهم بأن يبقى في حياتهم وحياة أبنائهم وأحفادهم أجمل ما كان في ذلك الماضي، وفي ذلك التاريخ الذي لم يؤرخ. غلاف الكتاب (الشرق)