أورث الأسد ابنه آلة حربية بطاشة فهو يحصد أرواح السوريين. في يوم 21 فبراير 2013م كان اليوم الأشد دموية، قفز فيه عدد القتلى عن المائتين. وأعجب ما سمعنا من أخبار الدم في سوريا هو بيع الجثث لجيوب ضباط النظام البعثي وضرب حلب بصواريخ سكود. ظننا ذلك حتى جاءت مفاجأة الكيماوي في 21 أغسطس فمات بالغازات السامة 1429 إنساناً منهم 426 طفلاً؟؟ أظن أننا سنقبل على مرحلة أفظع من الغازات السامة قريبا. ولكن ماذا يقول التاريخ ويروي قصص دول القوة وجبروت السلطة؟ لعل نموذج الدولة الآشورية هو الأشد فتكا، وقد تحدث عنه المؤرخ البريطاني توينبي بالتفصيل في كتابه مختصر دراسة التاريخ. وصف المؤرخ البريطاني (جون آرنولد توينبي) الدولة الآشورية أنها ماتت في درعها، وعندما هوت هذه الجثة إلى الأرض لم يرحمها جيرانها، بل مزقوا جثتها إرباً؛ لأنهم لم يصدقوا أن تسقط تلك الدولة الرهيبة التي حكمت معظم الشرق الأوسط ومصر وهي في زهوة القوة، فدولة آشور كانت تتفقد آلتها الحربية باستمرار وتطورها بإحكام. وعندما دفنت جثة الدولة الآشورية في مقبرة التاريخ، لم يعد يتذكر أحد، أنه كانت في العراق الشمالي في عاصمتها نينوى (مدينة الموصل العراقية الحالية) دولة ذات ذراع بطاشة طويلة دفنت معظم شعوب الشرق الأوسط تحت الثرى، وسوت مدنه بالأرض في حملات عسكرية جهنمية، إلى درجة أن بعثة عسكرية يونانية مرت بعد قرنين في المنطقة وخلدتها بلوحة أدبية دون أية إشارة إلى طبيعة واسم الشعب الذي عاش في هذه المنطقة. جاء في كتاب مختصر دراسة التاريخ للمؤرخ البريطاني جون آرنولد توينبي: (وإذا تطلعنا إلى الوراء عبر فترة القرن ونصفه التي اتسمت باشتداد حدة الحرب وبدأت بتسلم تيجلات بيليسير العرش عام 745 قبل الميلاد وانتهت بانتصار نبوخذ نصر على الفرعون نخاو في موقعة كركميش عام 605 قبل الميلاد، نجد أن الأحداث التاريخية التي تبرز لدى النظرة الأولى، هي الضربات القاضية المتتابعة، التي دمرت آشور جماعات بأسرها وسوت مدنها بالأرض، وحملت إلى الأسر سكاناً بأجمعهم: دمشق عام 732، وسامرا عام 722، وموساسير 714، وبابل عام 689، وصيدا عام 677، وممفيس عام 471، وطيبة عام 663، وسوسا عام 639، ولم يسلم من عدوان الآشوريين، إلى أن خربت نينوى نفسها عام 612 قبل الميلاد، سوى صور والقدس، من جميع كبرى مدن الدول التي بلغتها جميعها الذراع الآشورية، وإن البؤس والدمار اللذين ابتلت بهما آشور جيرانها فوق ما يتصور.. وإذا كان جميع ضحايا آشور الذين ذكرتهم هذه السجلات قد كافحوا ليعودوا إلى الحياة، وينتظر بعضهم مستقبل عظيم؛ لكن نينوى سقطت ميتة ولم تبعث قط). تفتقت جهنمية العقل العسكري الآشوري عن وسائل جديدة لتطويع وتركيع الشعوب المجاورة لقبضتها الفولاذية؛ فمدن الشرق الأوسط إما أن تستسلم بدون قيد أو شرط لإرادة ملوك آشور، أو أمامهم هدم مدنهم وتسويتها بالأرض واقتلاع شعوب بأكملها؛ لتزرب في معسكرات اعتقال جماعية مروعة، قبل أن يهتدي إلى هذه الطرق الفاشيون في العصر الحديث، كما فعلت إيطاليا الفاشية مع الشعب الليبي، والنازيون مع شعوب لا حصر لها، والجولاغ في سيبيريا، وتدمر في سوريا، وقصر النهاية في العراق.