الوطن ليس عصابة خضراء، تحيط بالرأس، ولا دبوساً أخضر، يتزين به الصدر، ولا كلمات وشعارات و«شيلات» نرددها.. الوطن أرض وسماء، تدور بينهما ملحمة عشق لا تنتهي. أنهى المعلم حصة خضراء عن الوطن، كان تلاميذه يحملون أعلاماً خضراء صغيرة، تحمل شعار المملكة، وعلى صدورهم دبابيس خضراء، وعلى رؤوسهم قبعات خضراء، حتى الوشاح أصبح غصناً ملتوياً أخضر حول العنق، ضجت الممرات بالهتافات وال «شيلات»، «سارعي للمجد والعلياء.. رددي لخالق السماء»، وتعالى صداها في فضاء وساحة المدرسة، قرر المدير أن يفرحوا بحب الوطن، أن يتنفسوا يوم الوطن، عيشوا، استمتعوا، عيد آخر لهذا الصباح، يحمل مذاقاً مختلفاً، يحمل نكهة «الدوعني الجنوبي» ممزوجاً بمذاق البلح الغربي، والتمر الحائلي، والنعناع الحساوي، احتفلوا بالعيد، ورددوا الأناشيد، وارسموا على السبورات خارطة وطن، وطن واحد، وطن لا مثيل له. ثم في آخر النهار تسلَّموا ميداليات صغيرة، تذكرهم بالوطن في عامه ال 85، وهكذا لن ينسوا يوم الوطن أبداً. في آخر النهار دخل عامل النظافة بمكنسته، يجمع قوارير الماء عن الأرض، ويُغلق صنابير المياه المفتوحة في الحمامات، ويطفئ «لمبات الكهرباء» المضاءة في القاعات، ويزيل عن الأرض قطع الورق الصغيرة، التي حجبت رخامها المتسخ، لم ينسَ أن يمر بفوطة مبتلة على المكاتب و«الماصات»، ويعيد المقاعد إلى مكانها، بعضها كان مكسوراً، يحتاج إلى صيانة، بقايا أطعمة كثيرة، يستحق أن يحملها إلى المرأة الجائلة، التي تبيع الحلويات عند مدخل المدرسة. ماذا غرسنا في قلوب أبنائنا وبناتنا؟ حب الوطن؟ لكن أين القيم؟ لم نُدخل القيم تعزيزاً للحب في يوم الوطن. نعم هو اليوم الوطني، وما أجمل رايته خفاقة في يد طفل، ولكن حب الوطن ليس يوماً دراسياً، نردد فيه أشعاراً وأناشيد. أنت أيها المعلم والأب، إن كنت تحب وطنك فقم بغرس القيم في عقل ابنك وابنتك، أنت تحب وطنك، ساهم معهم في إبقاء المكان، الذي يدخلونه نظيفاً أنيقاً، أنت تحب وطنك، حافظ على مقدراته من ماء وكهرباء، أنت تحب وطنك، لا تسهم في نشر الشائعات، أنت تحب وطنك لا تسمح لأي حادث، أو عارض أن يمسّ حبك له بأي أذى، أو نقصان. ربط حب الوطن بالقيم الإنسانية النبيلة مع الإحساس الجميل بيوم الوطن، هو المجد والعلياء.