التقيته في إحدى المناسبات العائلية بعد غياب دام أكثر من 25 سنة. وتذكرت تلك الأيام التي كان فيها محمود وهذا هو اسمه الحقيقي، الذي طلب منا آنذاك أن نناديه «مايكل»، لأنه كان شغوفا بالممثل الأمريكي الشهير «مايكل دوغلاس «بل كان مجنونا بكل شيء أمريكي، وكان يحلم أن يهاجر إلى الولاياتالمتحدهالأمريكية. وتحقق حلمه حين حصل على بعثة من شركة أرامكو السعودية. وحين وصل إلى تكساس تعرف على فتاة أمريكية بقصد الحصول على الجنسية الأمريكية (الجرين كارد)، تزوجها وترك البعثة ليعيش هناك كأمريكي. في البداية كانت حياته كما أراد أن يحمل الجنسية الأمريكية ويعيش كما يعيش الأمريكان في الأفلام. ولكن حمل الإنسان للهوية تختلف عن حمله للجنسية. فالهوية هي مشاعر وإحساس وحب وولاء وانتماء، بينما الجنسية ورقة رسمية تقضي بها احتياجاتك الرسمية فقط. ومرت تلك السنوات الطوال وأنجب خلالها ستة أبناء (ثلاثة أولاد وثلاث بنات)- سمتهم أمهم أسماء أمريكية، بينما هو يسميهم أسماء عربية سعودية-تركي-نايف-سعود للأولاد، بينما البنات العنود-فضة وسعاد. حدثني محمود-مايكل عن تلك السنوات القاسية التي قضاها هناك. قال لي:«لن تصدقني لو قلت لك إنني لم أشعر بوجودي في ولاية تكساس المشهورة التي كنت أحلم في طفولتي أن أقضي حياتي فيها. حينما مرت تلك السنوات الطويلة بدأت أحن إلى قريتي الصغيرة وأصدقائي وأهلي وربعي وناسي. وأخذت أزرع وأعزز في نفوس أبنائي الولاء والانتماء وحب الوطن المملكة العربية السعودية. وبدأت أخلع جلد الأمريكي المتجنس وأعود بجلدي الأساسي الأصلي الأخضر السعودي. وقررت أن أعود إلى وطني وكنت متخوفاً أن أبنائي وزوجتي الأمريكية سيرفضون العودة إلى أرض آبائهم وأجدادهم. ولكني فوجئت أن الجميع موافق على العودة إلى الوطن. وأكمل مايكل-محمود قصته قائلا لي:«اسمع يا دكتور أنا لا أنكر أن أمريكا جميلة وراقية وشعبها صديق وبالإمكان أن تقضي فيها أياما وأشهرا وربما سنوات كضيف أو سائح، ولكن المملكة هي الأجمل والأحب والأرقى، وهي أرضي التي ولدت وترعرعت وسأدفن فيها، صحيح من قال عن المملكة: «إنتي ما مثلك في الدنيا بلد».