للمبادرات الاجتماعية الجادة والهادفة دور كاشف لحالة الوعي المجتمعي الأصيل، وهي مؤشر يقيس حجم التفاعلية الإيجابية داخل المنظومة الاجتماعية؛ إذ أنها معين لا ينضب في عطائه ووفرة إنتاجه. ولذلك يجدر بالحياة المعاصرة بكل ظروفها ومعطياتها في واقع المجتمعات المتطلعة للتميز أن تستفيد من تفعيل آفاق العمل في نطاق مؤسسات المجتمع المدني الذي يمتلك القدرة في ضخّ واسع من الفعل المبادراتي في عدّة مستويات، وعبر اتجاهات كثيرة ومحاور متكاملة في صالح الظهور المجتمعي الرصين، ومن خلال مجالات التأثير والحضور في صيغ مؤسساتية قادرة على صناعة المبادرة اللافتة، وبالتالي ترتفع ضمانات النجاح والتألق في شكل يطّرد مع توفر مقدمات كليّة موجبة لحيثيات وتفاصيل أي فعل مبادراتي اجتماعياً. وليس سرّاً أننا مازلنا في حاجة ماسّة لصيغة متماسكة في شأن مؤسسات المجتمع المدني عبر لوائح ونظم تكون قادرة على مواكبة الراهن الاجتماعي والثقافي في بلادنا، ويعوّل في ذلك على قدراتنا الفكرية والثقافية من المختصين القادرين على إحداث نقلة نوعية في هذا المجال الذي يستطيع أن يقدح زناد الفعل المبادراتي ويمكّن من إرساء أسس تتناسب مع المرحلة المعاصرة التي تشهد في مجملها تنمية وتطوراً واسعاً. ومن المبادرات التي لفتت نظر المتابعين جاءت مبادرة «انْصُرْ أَخَاك»، وهي مبادرة تستهدف أن تكون حلقة وصل بين أهل القضايا من الأرامل أو المطلقات أو الأيتام أو أصحاب الدخل المحدود، وبين المحامين والمحاميات المتطوعين؛ وذلك في حدود القضايا الاجتماعية العادلة؛ فتساعدهم تطوعياً سواءً في مجال المحاماة أو الاستشارات القانونية وتقوم بتيسير سبل حلّ قضاياهم. وكانت المبادرة فكرةً أطلقتها طالبة بجامعة الأميرة نورة في الثلث الأخير من شهر رمضان الماضي لمساعدة النساء الأرامل أو المطلقات أو أصحاب الدخل المحدود في عدم ضياع حقوقهم لأي سبب قد لا يمكنّهم من الحصول على تلك الحقوق. وحظيت المبادرة بتفاعل واسع على امتداد الوطن بمناطقه وجامعاته؛ مما ساهم في انتشار فكرة المبادرة والانضمام إليها في جميع أنحاء المملكة؛ إذ التحق بهذه المبادرة عدد من طالبات وطلاب جامعاتنا؛ مثل جامعة الأميرة نورة، وجامعة الملك سعود، وجامعة دار العلوم، وجامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة طيبة، والجامعة الإسلامية، وجامعة الملك فيصل، وجامعة الأمير محمد بن فهد؛ مما يشير إلى حجم التفاعل والتعاطف الواسع مع فكرة المبادرة وأهدافها النبيلة. وحالياً، وفي تقدم لافت انضم إلى المبادرة عدد مشجع من القانونيين محامين ومحاميات واستشاريين واستشاريات، بالإضافة إلى عدد كبير من الطلبة والطالبات من الجامعات المذكورة، وهو الأمر الذي يتوقع له مزيداً من التفاعل عند السعي للتعريف بالمبادرة وأهدافها عبر وسائل الإعلام المتنوعة والملتقيات الأكاديمية والثقافية والاجتماعية. ومن التفاعل المحمود في سياق الدعم المعنوي الرسمي هو ما تلقته المبادرة من اهتمام معالي وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور ماجد القصبي، عبر تواصل واهتمام من مستشار الوزير للشؤون القانونية الأستاذ عبدالعزيز الفريان، الذي تواصل مع المبادرة، واطّلع على تفاصيل العمل، وبارك جميع الجهود، كما أثرى المبادرة بالتوجيهات، ووعد بتذليل العقبات، كما صرح بذلك القائمون على المبادرة. وفيما تتوخى رسالة المبادرة بدعم المجتمع من خلال زيادة الوعي الاجتماعي القانوني، ونشر الثقافة القانونية عند مجموعة من ذوي الظروف الاجتماعية الذين يستحقون الدعم والمساعدة في مقاربة قضاياهم بما هو مأمول في هذه الأحوال من خلال قانونيين أو استشاريين، فإن رؤية المبادرة تسعى لتحقيق مفهوم المجتمع القانوني كواقع يحفظ الحقوق، وكثقافة ترسي أسس المجتمع المتحاب والمتصالح. ولأن المبادرة ناشئة؛ فإن التطلعات إلى انضمام مزيد من المختصين القانونين تبدو من أهم الأمور، بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة من وسائل التواصل الحديثة ضمن الاستشارات ذات العلاقة، وهناك مجموعة من البرامج التي تأمل المبادرة إلى تنفيذها مثل الملتقيات القانونية السنوية، وتنظيم دورات مجانية للمتدربين والمتدربات من المتخصصين في المحاماة، وكذلك إقامة دورات تدريبية حول العمل التطوعي القانوني، وجملة من الأفكار الرائعة التي يحتضنها البرنامج التطلّعي المنظور. إننا نعيش جميعاً انتعاشاً إنسانياً رائعاً من خلال فضاءات هذه المبادرة وأمثالها، كما يثمّن الجميع في الوطن لهذه الأفكار التي تتناسب مع تصاعد الوعي المعرفي عموماً، ومن ذلك ما يعنى باللجنة القانونية على وجه خاص. الكلمة التي لا بد أن تقال لكل من هم في هذه المبادرة حالياً ومستقبلاً، هي إنكم محطّ فخر الجميع كلما زرعتم في أرض الإنسانية غرسةً من حُبّ، وفقكم الله لما يحبّه ويرضاه.