أمر محزن ومؤلم، أن تتعثر وأنت تتصفح أحد برامج التواصل الاجتماعي بنداء موجوع يتسوّل أمر مسؤول لينتشله من براثن المرض، أو ببكاء أمٍّ لم تستطِع أن توفر لصغارها المأوى والمأكل والملبس. مآسٍ إنسانية، يقذف بنا الفضاء الإلكتروني في معمعتها دون أن نختار. فئة منّا متعاطفة، وأخرى مترددة، وثالثة مرتابة، ورابعة لا مبالية، وخامسة فاعلة، لكنها محاطة بالعوائق! كل هذا يحدث والجهات المعنية صامتة، بعضها تدّعيأنها لا تعرف، لأنها لو عرفت ما كان لما حدث أن يحدث، وبعضها تنتظر إلى أن يحتشد الناس في ميدان المأساة فتتدخل لاعبة دور البطل المنقذ! التعاطي السلبي للجهات المعنية مع الحالات الإنسانية التي تعج بها مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، مرده إلى سببين لا ثالث لهما: إما عجز، أو قصور، وكلاهما غير مبرر إطلاقاً! والمشكلة الكبرى أن العجز والقصور أثّرا سلباً على إسهامات المجتمع التطوعية في الجانب الخيري. تجربة السعوديين في العمل الإنساني عبر برامج التواصل الاجتماعي تجربة رائعة، وكثيراً ما احتووا حالات إنسانية بفاعلية وديناميكية تثير الفخر والاعتزاز، لكن غياب المعلومة قد يبتز شهامتهم فيمدون أيديهم لمحتال، ولص، وعدو، وهذا حدث فعلاً من قبل، ما جعل بعضهم يتوقف، وبعضهم الآخر تأخذه الريبة فيتخاذل عن نجدة محتاج، لأنه لا يملك معلومة موثوقة! أغلب الحالات الإنسانية التي تطالعنا بها برامج التواصل الاجتماعي، الجهات المعنية بها: وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الصحة، اللتان أتمنى عليهما العمل فوراً على إنشاء «وعاء إلكتروني معلوماتي» يحتوي شهامة الناس ومروءتهم، يكون دور الوزارتين فيه توثيق الحالات بالتثبّت من صدقيتها. عبر هذا البنك المعلوماتي الإلكتروني، أو لنسمها «الجمعية الإنسانية الإلكترونية» ستتحقق جملة أهداف سامية: انعتاق العمل الخيري من رق البيروقراطية، وطمأنة الخيّرين على أن إسهاماتهم الخيّرة تذهب إلى من يستحقها، وإشاعة ثقافة العمل التطوعي بمبادرة ذاتية، وكل ما تقدم يضمن ألّا ينقطع المعروف بين الناس، الذي حدّت منه مشكلة غياب المعلومة! فغيابها قد يكلّف كثيراً من مال الحكومة، وقد يمنع تدفق كثير من مال الشعب.