يخرج المواطن من منزله صباحاً مصطحباً أبناءه ليواجه زحام المدارس، وطرقاً مغلقة، أو أخرى تقتص ثلاثة أرباعها الصبات الخرسانية التي أصبحت جزءاً من الحياة اليومية لكل مواطن، نتشارك معها رحلاتنا اليومية، فمن المستحيل أن تخرج من بيتك ولا تراها وقد انتشرت في كل مكان. وبعد الانتهاء من رحلة المدارس تبدأ رحلة الذهاب إلى العمل.. زحام.. حوادث.. طرق مغلقة.. صيانة هنا وهناك، وبكل تأكيد لن تمر السنة دون حادث أو أكثر، ونشكر صاحب فكرة التأمين الإلزامي وإلا سيغص توقيف المرور. في رحلة الذهاب إلى العمل لا تستغرب سائقاً وقد وضع تحت التدريب، وآخر لا يجيد القيادة، وسيارات الأجرة، وننتهي بالنقل الثقيل، والكل متعجل يريد أن يلحق «البصمة»، هناك موظفون منذ 20 عاماً لم يسجل عليهم تأخير ولكن في هذه الظروف الاستثنائية ومع البدء بتطبيق حضور البصمة تجد أسماءهم ضمن المتأخرين عدة مرات في الشهر فيرتمون في «ضغط نفسي» وخسارة الإنتاجية. كل هذه الظروف والضغوط في رحلة الذهاب تسبب الاكتئاب والعصبية، فبالكاد تجد من يقول لك «صباح الخير»، بل إن بعض الموظفين يقول لرئيسه لا تطالب بالإنتاجية بعد رحلة شاقة ليلتقط أنفاسه بعد عناء رحلة الذهاب، ثم تبدأ رحلة الذهاب الأخرى لجلب الأولاد من المدارس بصمة استئذان تقف في الشمس تنتظر خروجهم ثم الرجوع لبصمة عودة لإكمال العمل وقد تبللت ثيابك عرقاً في هذه الأجواء الحارة جداً، وعند انتهاء الدوام يبصم الموظف، أي أنه يبصم 4 بصمات في اليوم، ثم يأخذ نفساً عميقاً.. يركب السيارة.. يتخيل الغداء.. يتضور جوعاً، ومجرد أن يسلك طريق العودة يواجه الازدحام الرابع في اليوم نفسه يصل إلى المنزل وربما لا يجد الغداء حاضراً.. يصرخ بصمت صرخة داخلية.. يبكي بعنف.. يتألم.. ينام موجوعاً.. يعتصر قلبه تعباً ويتذكر في أيام خلت أيام التوقيع وسلاسة الأمر ومرونة الوضع ومساعدة المدير، ولسان حاله يقول ليت تلك الأيام تعود، فهل ستعود حتى تنتهي أزمة النقل العام على الأقل؟ من يسمع من المسؤولين ويتخذ القرار. وبعد قيلولة قصيرة يسمع صوتاً خافتاً حنوناً يقول (ودنا السوق).. نهاية رجل شجاع؛ فالحياة فعلاً في هذه الظروف أصبحت صعبة وتحتاج رجلاً شجاعاً.