بعد إجازة دراسية، تعد الأطول في التقويم الدراسي، تعود الحياة بكل تفاصيلها؛ بنظامها، الذي ستزخر به أنماطنا الحياتية، التي كان لها أن تتفلّت بحرية من انضباط الوقت، وإدارته، ومعناه، فالأكل في الإجازة في كل وقت، والنوم لا يوجد له برنامج محدد، والحياة نحيلها إلى منظومة من الفوضى إذا ما قورنت بالشكل الحياتي المقبل عندما يطل علينا عام دراسي جديد. وعلى الرغم من أننا مازلنا نتنفس أطناناً من ذرات الهواء المثقل بهموم رطوبة شهر أغسطس الملتهب، لبرج الأسد المفضي إلى برج السنبلة، الذي يوصف على لساننا الفلكلوري الشعبي بأنه قد يكون سمّاً وبلاء، تذمراً مما يحدث في بعض سنواته من حرارة، ورطوبة أيضاً، إلى درجة يقول بعضهم: رحم الله آب، قتلنا أيلول بحرّه، إلا أن ما مضى قد فات، والمؤمل غيبٌ، والحياة المعاصرة فيها من النعم والعطايا الإلهية ما يجعل ظروف آب، وأيلول الحارة أخف وطأة مما كان يعيشه جيل الأباء والأجداد ومَنْ قبلهم، مع ما يحتمل من انقطاع للتيار الكهربائي، الذي تكرر في بعض الأحياء في الإجازة الصيفية، وهو نتيجة متوقعة لزيادة الأحمال الكهربائية، أو بسبب عدم الاستعداد لجعل خطوط إمداد الطاقة الكهربائية أكثر متانة وقدرة على تحمل ظروف زيادة معدلات الحرارة الكونية بسبب ما أدخله بعضهم من مفردات، ونظم أضرَّت بجدران الغلاف الجوي الغازية، وجعلت فيه ثقباً، وربما أكثر، وأنانية الإنسان مازالت تستمر في تدمير كثير من بركات هذه الأرض، التي جعلها الله سبحانه تربة حياة بكل عناصرها، ومغانيها، من بحار وأنهار وينابيع وبحيرات، وسهول وهضاب وجبال وقفار. إنها الحياة، التي نزرعها بالورد إن أردنا، وقد يفسد بعضهم «نانو» ثوانيها غروراً، أو جهلاً، أو استكباراً. العام الدراسي بمنزلنة الأوبة إلى محطة الحياة المنظمة؛ فالعائلات والأسر تنتظمهم تفاصيل العام الدراسي، وتؤثر في التحول مجدداً إلى نمط حياتي فيه أكثر صحةً، وأهدأ صخباً، بيد أن هناك زيادة قد تكون لكثيرين مرهقة مادياً مع عودة العام الدراسي، فمعدل المصروفات المرتبطة بالحياة الدراسية صارت ليست باليسيرة، خصوصاً مع ما يقرره بعض المعلمين، أو المعلمات من أمور منعتها اللوائح النظامية في التعليم: وليس بخافٍ على أحد أن هناك مراكز وقرطاسيات ومكتبات تستفرغ جهودها، وتفرغ طاقاتها لإعداد المئات، بل قل الآلاف، أو عشراتها مما يصنف ضمن الوسائل التعليمية ونحوها، وبالنتيجة نجد أن هذه الأعباء خاصة في مدارس تعليم البنات ترتفع عاماً بعد عام، بسبب تنامي الصناعات المرتبطة بقضايا التعليم ووسائله، التي لا تفعله أكثر البلدان تطوراً في نظم التعليم غرباً وشرقاً، ولكن لعل ترفنا حتى في أنغام الحياة حولنا، جعل من كل شيء ضرورياً؛ فسقط تصنيف الاحتياجات حسب ضرورياتها وكمالياتها. إن الجميع يتمنى عاماً دراسياً تتوفر فيه كل عناصر النجاح والقدرة على التحصيل الدراسي الجاذب، والسؤال: ما مدى توفر مهارات الجذب والتشويق في أداء كل معلم ومعلمة، وهل هناك برامج إثرائية تُقدم لهم من خلال ورش تدريبية، ودورات عملية؛ ليكون المعلم نفسه في هذا العام معلماً أكثر مهارة، وأمتع كلمة وفعلاً، وهكذا بالنسبة لكل معلمة تجاه مسؤولياتها، أم إن هذا العام سيكون نسخةً أخرى عن سابقه؟! وفي هذا كلام، وكلام، وكلام. أبناءنا، وبناتنا، بأخلاقكم وسلوككم أولاً، وبتحصيلكم وشعوركم بطعم مرحلة التعليم العام، ستصنعون المستقبل، الذي تكونون قادرين فيه على صناعة الفارق بين الغد واليوم، وهناك من النماذج الناجحة ممَّن سبقكم، نحتاج إلى جعلهم قدوة. ومما جاء في الأثر: وأما حق سائسك بالعلم فالتعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحُسن الاستماع إليه، والإقبال عليه، والمعونة له على نفسك، فيما لا غنى عنه، بأن تفرغ له عقلك، وتحضر له فهمك، وتذكي له قلبك، وتجلي له بصرك.. عاماً خصباً بالعطاء والحياة، وللجميع الدعاء بالتوفيق.