أجزم بأن السير الحثيث والواثق سر من أسرار النجاح في مجالات الحياة كلها، وأن الخيال أكثر أهمية من المعرفة. إن النفس البشرية كرَّمها المولى تبارك وتعالى بأمور عديدة وجميلة، وجعلها نموذجاً من الألوان، تتناول الجوانب الرقيقة من المشاعر الإنسانية، والتفاعلات الإبداعية، ولو ب «شق كلمة، أو جملة مؤثرة». وحسب تعاليمنا الإسلامية السمحة، ليس هناك من شك في أن التربية الإسلامية قد اعتنت بالمواهب الإنسانية، التي غرسها الله تعالى في النفس البشرية، وحرصت على تنميتها، والاهتمام الإيجابي بصاحبها، ودعت إلى حُسن توجيهها، والإفادة الكاملة منها بصورةٍ تُحقق النفع والفائدة المرجوة، سواءً على المستوى الفردي، أو الجماعي. ويأتي اهتمام التربية الإسلامية بهذا الجانب في شخصية الإنسان انطلاقاً من إدراكها أن الثروة البشرية تُمثِّل الثروة الحقيقية لأي مجتمع من المجتمعات، وأن مَنْ يوصفون بالمتفوقين، والموهوبين في أي مجتمع، إنما هم بمنزلة القلب النابض، والعقل المفكر له، نظراً لأهميتهم البالغة، وأثرهم الفاعل والإيجابي في نهضة وتطور الوطن والمجتمع، ومواجهة مختلف التحديات في أي زمان ومكان. من هنا فإن على المهتمين بشؤون التربية والتعليم أن يزيدوا من اهتمامهم بالطلاب الموهوبين في مختلف المجالات العلمية، وأن يحرصوا على اكتشاف المتفوقين، والموهوبين، ومَنْ لديهم قدرة على التفكير الابتكاري، لغرض رعايتهم، والعناية بهم، وحُسن توجيههم، وصقل مواهبهم وأفكارهم، والعمل الجاد على التعرف على جوانب التميز لديهم، ومن ثم العمل على تحديد أفضل الوسائل الممكنة لاستثمار تفوقهم ومواهبهم، وتسخيرها لما فيه الصالح العام، لاسيما أنهم، بما وهبهم الله من تفوق عقلي، وقدرات خاصة في الفهم والتطبيق والتوجيه والقيادة والإبداع، قادرون، بإذن الله تعالى، على إحداث التقدم المنشود، وقيادة مسيرة التنمية والتطور الحضاري، والتصدي لمختلف المعوقات والتحديات المعاصرة، والإسهام الفاعل في حل المشكلات المختلفة التي تواجه مسيرة التنمية الشاملة، ليس هذا فحسب، فإن هؤلاء الموهوبين يُعدون، بإذن الله تعالى، أمل المستقبل، ورجال الوطن المنتظرين للقيادة في مختلف المجالات العلمية والتقنية والإنتاجية والخدمية والمعرفية. ولأن مؤسساتنا التعليمية، ولله الحمد، تزخر بكثير من الموهوبين والمتميزين من أبناء وطني الحبيب في مختلف الميادين والمجالات العلمية والمعرفية، فإن تربيتنا الإسلامية تفرض علينا جميعاً مزيداً من الاهتمام بأفراد هذه الفئة، والعناية بهم وبمواهبهم المختلفة، وهذا أمرٌ لا يمكن تحقيقه إلا بالتعاون بين مختلف عناصر العملية التربوية الرئيسية، فدور المعلم في رعاية الموهوبين من الطلاب يأتي عبر اهتمامه بهم على اعتبار أنه الركيزة الأساسية في العملية التعليمية والتربوية، وعليه الاعتماد، بعد الله، في تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية، لاسيما أن على عاتقه مسؤولية عظيمة في تربية النشء، وتوجيههم التوجيه الصحيح، والعمل الجاد على تنمية مواهبهم، وكشف استعداداتهم، والإفادة من جوانب تميزهم، إلى غير ذلك من المسؤوليات، التي لا يمكن أن تتحقق دون توفر المعلم المبدع، الذي يدرك أهمية الإبداع، ويحرص على تنمية التفكير الإبداعي عند الطلاب، وربطه في كل شأنٍ من شؤونه، وكل جزئيةٍ من جزئياته، بما جاء في المصادر الخالدة للتربية الإسلامية المتمثلة في كتاب الله العظيم، وسُنَّة رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم. كما أن دور المعلم يمكن أن يتضح من خلال إيجاد المواقف التعليمية التي تستثير الإبداع عند الطلاب في الفصل الدراسي، وتشجيعهم على ممارسته بمختلف الطرائق والأساليب الممكنة، والحرص على توجيههم بطريقةٍ إيجابية وفاعلة. أما عن دور المدرسة في رعاية الموهوبين والعناية بهم، فيمكن الإشارة إلى دورها بصفتها مؤسسة تعليمية تربوية في رعاية الموهوبين والعناية بهم، والمشاركة الفاعلة والإيجابية في هذا الشأن من خلال حث ومتابعة المعلمين على تقديم المواد الدراسية، وما يتبعها من نشاطات فصليةٍ، أو غير فصلية بصورةٍ حديثةٍ وشائقةٍ وجذابةٍ، والعمل على التخلص من النمط التقليدي، الذي يُركِّز دائماً على أسلوب تلقين المعرفة للطلاب بصورةٍ يكون الطلاب معها سلبيين وغير متفاعلين. كما يمكن للمدرسة أن تعمل على وضع خطة شاملة لرعاية الطلاب الموهوبين، وتوفير الجو التربوي الملائم لنمو المواهب المختلفة، والعمل على توفير ما أمكن من الأدوات والتجهيزات اللازمة لممارسة مختلف الأنشطة، التي يمكن من خلالها التعرف على المواهب وتنميتها وتطويرها. كما أن من مهام المدرسة الحرص على تدريب بعض المعلمين على كيفية التعامل مع الطلاب الموهوبين، وتوجيه المعلمين إلى استخدام طرائق وأساليب تعليمية فاعله وإيجابية في هذا الشأن، والاتصال بأولياء الأمور وتعريفهم بمواهب أبنائهم ليتحقق التكامل بين دور الأسرة ودور المدرسة في رعايتهم. وتعليقاً على قرار معالي وزير التعليم باعتماد تطبيق فصول للموهوبين في مدارس التعليم العام بدءاً من الفصل الأول من العام الدراسي الحالي 1436 – 1437 ه، وحدد القرار آلية تنفيذه بأن تقوم الإدارة العامة للموهوبين والموهوبات بالإشراف والمتابعة على فصول ومدارس الموهوبين، وأن تتولى تحديد المعايير والضوابط لاختيار المدارس، التي سيتم تطبيق فصول الموهوبين فيها بالتنسيق مع الإدارات التعليمية، وأن تعمل على متابعة أداء فصول ومدارس الموهوبين ومخرجاتها، لا يسعني إزاء هذا «التدفق القراري الكريم» من معالي الوزير إلا أن أقول: إن هذا القرار يبرز مكارم الإبداع، ومآثر لغة التفرد والتميز، ويبني آمال جيله، وحكمة شيبه، ويغادر الحدود الضيقة بهدفه الجوهري، وبتبادل الأفكار بمعطيات ونتائج تضطلع بكيانات تربوية تعليمية براقة متأنقة للمعلم المثالي، والطالب الجامح بمواهبه، وأيضاً إبراز ثقافة تعليمية جديدة. وكلنا أمل في أن يولي المسؤولون هذا القرار الاهتمام البالغ، وتنفيذه بالآلية التي تحقق أهدافه المنشودة، مع خالص شكرنا وتقديرنا لمعالي الوزير عزام الدخيل، على حرصه الدؤوب على كل ما من شأنه الرفع من المستوى التعليمي، والاهتمام برعاية الطلاب لإعدادهم ليكونوا جيلاً نافعاً لمجتمعهم ووطنهم. * مشرفة القيادة المدرسية في «تعليم محافظة القرى – الباحة»