العالم ينقلب رأساً على عقب، والدنيا في ضمور مستمر، والناس في تهالك وعُسر، والكون بأكمله في أنين ونياح دائم هكذا أصبح حالنا في وقتنا الحاضر، البشر يموتون في كل دقيقة وثانية من كل يوم نعيشه على سطح المعمورة، لدرجة اللامبالاة، فقد سئموا الموت ولم يعد له هيبة كالسابق فحينما يموت قريب أو عزيز نُشل حركة العالم ونوقف الفرح حداداً عليه فلم يكن مجرد بشر عشنا معه بل روحاً لامسناها وتعايشنا معها وكان فراقها صعباً ومضنياً علينا. واليوم لم يعد للموت زوبعته وضجيجه الذي اعتدنا عليه من قبل، فمن ماتوا لم يعد لهم ذكرى تذكر، ولا حتى صورة تحفظ لهم بعد وفاتهم، فقد كثر الميتون في هذا الزمن بسبب الحروب الطاحنة بين الدول، والحروب الطائفية بين أبناء المجتمع الواحد، والحوادث وكثرة الأمراض المميتة والهالكة وتناحر البشر فيما بينهم فنتج عنه العداوة والبغضاء والإقدام على الانتحار وقتل النفس بالنفس، وهكذا تتعدد الأسباب والموت واحد. أحيانا خوفنا من الموت يتركنا متصلبين حسياً وهذا أشد وأمر فالموت ليس مخيفاً كما نظن فهو قدر كل شخص فينا المخيف هو موت أرواحنا ومشاعرنا الصادقة واندثارها مع مرور الوقت. يقول (محمد الماغوط).. «إن الموت ليس هو الخسارة الكبرى.. الخسارة الأكبر هو ما يموت فينا ونحن أحياء». لم أنس تلك الأيام الماضية من حياتنا حينما يموت شخص لا نعرفه ولكننا سمعنا بموته نذرف الدموع حُزنا على وفاته وكأننا نعرفه وعشنا معه، واليوم نسمع بوفاة القريب، ولا نحرك ساكناً، يمر علينا خبر وفاته مرور الكرام، العيب هنا في انقلاب الزمن وتدهوره وكثرة حروبه وأسباب موته فقد شلت مشاعرنا وتجمدت دموعنا بأعيننا فلم نعد قادرين على سكب ولو دمعة واحدة فقد كثر علينا سماع مات فلان ومات علان ولم نعد نستطيع إنعاش مشاعرنا وتغذية أحاسيسنا بقليل من الألم تجاه من ماتوا وغادروا الحياة..!