جاءت كلمة العَدْل في لسان العرب بمعنى: ما قام في النفوس أنه مُسْتقيم، وهو ضِدُّ الجَوْر. عَدَل الحاكِمُ في الحكم يَعْدِلُ عَدْلاً، وهو عادِلٌ من قوم عُدُولٍ وعَدْلٍ؛ الأَخيرة اسم للجمع كتَجْر وشَرْبٍ، وعَدَل عليه في القضيَّة، فهو عادِلٌ، وبَسَطَ الوالي عَدْلَه ومَعْدِلَته. وفي أَسماء الله سبحانه: العَدْل، هو الذي لا يَمِيلُ به الهوى فيَجورَ في الحكم، وهو في الأَصل مصدر سُمِّي به فوُضِعَ مَوْضِعَ العادِلِ، وهو أَبلغ منه؛ لأَنه جُعِلَ المُسَمَّى نفسُه عَدْلاً، وفلان من أَهل المَعْدِلة أَي من أَهل العَدْلِ. والعَدْلُ الحُكْم بالحق، يقال: هو يَقْضي بالحق ويَعْدِلُ. وهو حَكَمٌ عادِلٌ: ذو مَعْدَلة في حكمه. والعَدْلُ من الناس: المَرْضِيُّ قولُه وحُكْمُه. وقال الباهلي: رجل عَدْلٌ وعادِلٌ جائز الشهادة. ورَجُلٌ عَدْلٌ: رِضاً ومَقْنَعٌ في الشهادة؛ قال ابن بري ومنه قول كثير: وبايَعْتُ لَيْلى في الخَلاء ولم يَكُنْ شُهودٌ على لَيْلى عُدُولٌ مَقَانِعُ ورَجُلٌ عَدْلٌ بيِّن العَدْلِ والعَدَالة: وُصِف بالمصدر، معناه ذو عَدْلٍ. قال في موضعين: وأَشْهِدوا ذَوَيْ عَدْلٍ منكم، وقال: يَحْكُم به ذَوَا عَدْلٍ منكم؛ ويقال: رجل عَدْلٌ ورَجُلانِ عَدْلٌ ورِجالٌ عَدْلٌ وامرأَة عَدْلٌ ونِسْوةٌ عَدْلٌ، كلُّ ذلك على معنى رجالٌ ذَوُو عَدْلٍ ونِسوةٌ ذوات عَدْلٍ، فهو لا يُثَنَّى ولا يجمع ولا يُؤَنَّث، فإِن رأَيته مجموعاً أَو مثنى أَو مؤَنثاً فعلى أَنه قد أُجْرِي مُجْرى الوصف الذي ليس بمصدر. قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» الآية (58) من سورة النساء. جاء في التفسير الميسر قوله: «إن الله تعالى يأمركم بأداء مختلف الأمانات، التي اؤتمنتم عليها إلى أصحابها، فلا تفرطوا فيها، ويأمركم بالقضاء بين الناس بالعدل والقسط، إذا قضيتم بينهم، ونِعْمَ ما يعظكم الله به ويهديكم إليه، إن الله تعالى كان سميعاً لأقوالكم، مُطَّلعاً على سائر أعمالكم، بصيراً بها». وجاء في تفسير الطبري: «إن الله لم يزل سميعاً بما تقولون وتنطقون، وهو سميع لذلك منكم إذا حكمتم بين الناس، ولما تُحاورونهم به، بصيراً بما تفعلون فيما ائتمنتم عليه من حقوق رعيتكم وأموالهم، وما تقضون به بينهم من أحكامكم: بعدل تحكمون أو جَوْر، لا يخفى عليه شيء من ذلك، حافظٌ ذلك كلَّه، حتى يجازي محسنكم بإحسانه، ومسيئكم بإساءته، أو يعفو بفضله». ومن المسائل المهمة في شأن العدل التي عرضها العلماء قديماً وحديثاً أعرضها بشيء من الاختصار: المسألة الأولى: أن الأمانة عبارة عمَّا إذا وجب على الإنسان حق لغيره، فأداه إليه، فهذا هو الأمانة، والحكم بالحق عبارة عمَّا إذا وجب لإنسان على غيره حق، فأمرت مَنْ وجب عليه ذلك الحق بأن يدفعه إلى مَنْ له ذلك الحق. ومن جميل قول العلماء في هذه المسألة: «ولما كان الترتيب الصحيح أن يبدأ الإنسان بنفسه في جلب المنافع، ودفع المضار، ثم يشتغل بغيره، لا جرم أنه تعالى ذكر الأمر بالأمانة أولاً، ثم بعده ذكر الأمر بالحكم بالحق، فما أحسن هذا الترتيب؛ لأن أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط». المسألة الثانية: أجمعوا على أن مَنْ كان حاكماً وجب عليه أن يحكم بالعدل، وأوردوا أدلة عديدة من كتاب الله على ذلك، وذكروا حديث أنس عن النبي، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت، وإذا حكمت عدلت، وإذا استرحمت رحمت». ولبيان أهمية العدل ووجوبه ذكروا قوله تعالى: «ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون». محذرين من الظلم وخطورته وشديد عقوبته. المسألة الثالثة: قال الشافعي: ينبغي للقاضي أن يسوي بين الخصمين في خمسة أشياء، هي: في الدخول عليه، والجلوس بين يديه، والإقبال عليهما، والاستماع منهما، والحكم عليهما. المسألة الرابعة: أنه ليس لجميع الناس أن يشرعوا في الحكم، بل ذلك لبعضهم، ومن دقائق أقوال العلماء في هذه المسألة الرابعة أنه: كلما كان احتياج العبد أشد كانت عناية الله أكمل، والقضاة والولاة قد فوض الله إلى أحكامهم مصالح العباد، فكان الاهتمام بحكمهم وقضائهم أشد. وقفة: في خضم التعاملات – اليومية – الكثيرة للناس، وانتشار المؤسسات الحكومية والأهلية لم يعد الحكم – عدلاً أو جوراً – في بعض درجاته مقصوراً على القضاة والولاة، بل أصبح يمارسه كل مَنْ ولي مسؤولية عليا، فيقع بعضهم في الخطأ – عمداً أو جهلاً – ولكن أسوأهم أولئك الذين باتوا أدوات للظلم وممهدين له.