يحقق التحالف الوثيق بين المقاتلين الأكراد في سوريا والمقاتلات الأمريكية نجاحات عدة على الأرض على حساب تنظيم «داعش» الإرهابي، لكنه يثير في الوقت نفسه استياء العرب المعارضين لنظام بشار الأسد، ما قد ينعكس سلباً على جهود الحرب ضد المتطرفين. ويجزم محللون بأن هزيمة المتطرفين في سوريا لن تتم إلا بدعم من العرب السنَّة، الذين يشعر كثيرون منهم بالامتعاض جرَّاء الأفضلية التي يحظى بها المقاتلون الأكراد لدى الأمريكيين. ويلاحظ الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إميل حكيم، منح الائتلاف الدولي الأكراد أفضلية تهميش دوائر عربية مهمة. ويشير إلى تلقي المسلحين الأكراد دعماً استخباراتياً وعسكرياً وإعلامياً، في حين يعاني المقاتلون العرب من صعوبات وهم يقاتلون «داعش» وقوات الأسد في آن واحد. ويشدد المستشار القانوني للفصائل المقاتلة في إطار الجيش السوري الحر، أسامة أبو زيد، على «رفضنا هذه السياسة المعتمدة على دعم جهات بسبب انتمائها العرقي أو الطائفي». وتصدى مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية في الأشهر الأخيرة لهجمات عدة شنها المتطرفون، وتمكنوا من طردهم من مدينة تل أبيض الاستراتيجية الحدودية مع تركيا. ودفعت هذه النجاحات واشنطن إلى الإشادة بفاعلية شريكها الكردي. وأسفرت هذه الشراكة عن بلوغ العلاقة بين المعارضة العربية والأكراد درجة واضحة من السوء، بحسب الباحث في مركز «بروكينغز» للأبحاث في الدوحة، تشارلز ليستر. ويرى ليستر أن واشنطن لا تنظر للمعارضة العربية باعتبارها شريكاً ممكناً. وتعود جذور التوتر وعدم الثقة بين العرب والأكراد في مناطق عدة في شمال سوريا إلى سنوات طويلة، إذ عمِل النظام بدءا من السبعينيات على توطين عرب سنة في المناطق الكردية في محاولة للحد من تنامي الشعور القومي الكردي. كما عمِل على كسب تأييد العشائر العربية. وساهمت المنافسة الشديدة على الموارد في خلق التوتر بين المجموعات الإثنية، خصوصاً خلال سنوات الجفاف التي سبقت اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الأسد في منتصف مارس 2011. وأثار رفض الأكراد الانضمام إلى هذه الاحتجاجات غضب المعارضة. واستشف العرب وجود ما يشبه الاتفاق الضمني بين الأكراد والنظام، عندما بادر الأخير إلى الانسحاب من المناطق ذات الغالبية الكردية، ما فتح الطريق لإقامة إدارة ذاتية. كما تسود علاقة متوترة بين الائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة السورية من جهة، ووحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي النافذ من جهة ثانية. واتهم الائتلاف مقاتلي الوحدات ب «ارتكاب انتهاكات واسعة النطاق بحق المدنيين»، وذكر أنها تشمل التهجير القسري للسكان غير الأكراد من منازلهم ونهبها لا سيما في تل أبيض، بعد طرد المتطرفين من المدينة ومن مناطق أخرى محيطة. لكن الوحدات الكردية نفت بشدة هذه الاتهامات، وقالت في بيان أصدرته في حينه إن «داعش يرتكب أفظع الجرائم بحق الإنسانية وعندما نقوم بطرده يخرج علينا الائتلاف بنغمة جديدة وادعاءات كاذبة». كما نفت قوة «بركان الفرات»، وهي مجموعة عربية تقاتل إلى جانب الوحدات الكردية في محافظات حلب والحسكة والرقة، صحة هذه الادعاءات واصفة إياها ب «المسيسة». وبدأت مجموعات تعنى بحقوق الإنسان بالتحقيق في صحة الاتهامات. ويذكِّر المحلل في الشؤون الكردية، موتلو تشيفير أوغلو، الذي يتخذ من الولاياتالمتحدة مقراً، بأن الائتلاف لم يصدر أي إدانة عندما قتل المتطرفون أكثر من 200 كردي بينهم نساء وأطفال، خلال هجومه في شهر يونيو الماضي على مدينة كوباني الكردية الحدودية مع تركيا. ولا يخفي السكان العرب في تل أبيض مشاعرهم تجاه الأكراد، وعبر بعض الذين فروا من تل أبيض في اتجاه تركيا عن سخطهم. وقال أحدهم في حينه «لن نقبل بالأكراد لأن هذه ليست أرضهم. لطالما كانت أرض العرب وسنواجههم حتى النهاية». ويحذر الباحث حكيم من تداعيات خطيرة للتنسيق الحصري بين واشنطن والأكراد، «إذ يشعر بعض السكان أن معاناة العرب تحل في المرتبة الثانية بعد معاناة كافة المكونات الأخرى في سوريا». ويمكن لهذا الاستياء أن يقوض جهود الائتلاف الدولي ضد «داعش». ولن يقاتل الأكراد وحدهم لاستعادة مناطق غير كردية، لذا يقول خبراء إن الحاجة ملحّة لإشراك المقاتلين السنة في هذه المعارك. و«عندما يشعر العرب بأن مآخذهم معترف بها وتتم معالجتها، سيصبحون قادرين على رؤية الأكراد كشركاء محتملين في الحرب ضد داعش»، بحسب حكيم.