الصوم والصلاة والحج والعمرة والزكاة وباقي العبادات، هي علاقة ثنائية محضة وخاصة جدا بين العبد وربه، وليس لأحد من الخلق علاقة بها إطلاقا. فالعبد تحت رحمة ربه والله هو الفرد الصمد، الذي يجازي خلقه كلا على حدة (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) -38 سورة المدثر لا يحاسب الله فردا عن الآخر ولا بشرا عن بشر، كل عبد له علاقته الخاصة التي يحاسب بها عند ربه، فما بالنا نستميت لهداية الناس وكأنها على ضلال، ونحن من نقرر اليقين من الطحين والحق من الباطل والقبول من الرفض والظلم من العدل في مكانة إلهية محضة، مع أن الله جل جلاله رحيم غفور جميل يحب الجمال، والجمال هو كل حسن بعيد عن القبح، فكل لين وتهذيب وخلق قويم هو حسن وجمال يحبه الله، فالاختلاف في طرق العلاقة بالله شأن خاص لا يليق بأحد السؤال عنه ولا التدخل فيه، ومن يمارس ذلك يرتكب قبحا وانتهاكا لحريات الآخرين. كفانا استئسادا على بعضنا بحجة الهداية من الضلال، فمن أوكلنا على بعضنا ليقنع كل منا الآخر بما يعتقد، شأنك وحريتك أن تكون لك علاقتك الخاصة بربك الذي سيتولاك ويحاسبك. ما دخل هذا أو ذاك في عقيدتك أو تعبدك لخالقك. لم نصل بعد لحد القناعة التامة بمعاملة الإنسان كشريك في الآدمية، بل هناك طابور من الأسئلة السامجة قبل التعامل معه. من أي قبيلة أنت؟ من أي فخذ أنت؟ قبيلي أم خضيري؟ من أي واد أنت؟ ما هي طائفتك؟ صائم أم فاطر؟ هناك في عالم الحضارة لا يهتمون مطلقا بتلك الأسئلة وليس من أولوياتهم فقط، لأنهم اقتنعوا أن تلك الأمور هي حرية شخصية لا يجب انتهاكها ولا اقتحامها، فأسئلة مثل تلك تعتبر مستهجنة، لذلك فهم من يطبقون تلك القاعدة الذهبية في القبح والحسن، فقد تجاوزت عقولهم تلك المنطقة الموبوءة إلى مناطق أنظف وأكثر نضارة وجمال. لا نزال نحن في الصوم والفطر ونقيم الدنيا ولا نقعدها، من يصوم معنا ومن يفطر بغيرنا، وكأننا موكلون من الله بنفي المختلفين عنا، هناك حيث الأخلاق، يحترمون من صام فلا يأكلون أمامه ويحترمون من فطر فيقدمون له الطعام، مع أنهم من دين غير ديننا ومن عرق غير عرقنا، نظل نحن متخلفين عنهم سنوات ضوئية والله المستعان.