نظمت “جماعة فكر” بنادي القصيم الأدبي ببريدة محاضرة بعنوان “مكانة الدين في النهضة الحديثة.. اليابان أنموذجاً” لأستاذ الآداب بجامعة الدمام، الدكتور المبروك المنصوري، حيث سلط الضوء على التجربة اليابانية الرائدة، من خلال تشكيلها لمشروع ديني سياسي متكامل، وتحولت من بلاد متخلفة إلى إمبراطورية عظمى في فترة ثلاثين سنة. وأكد المنصوري على أن الدين في اليابان كان المرتكز الأول للنهضة اليابانية منذ بداية تشكلها في أواخر القرن الخامس عشر، في مسار معاكس تماماً لمسار النهضة الغربية، على الرغم من تنوع الأديان واختلاف أسسها ومقوماتها ونظرتها إلى العالم والوجود والمصير. وسرد المحاضر بعض الأمثلة لنماذج مفكرين يابانيين كانت لهم نظرتهم تجاه الاحتماء بسياج العقائد للانفتاح على المظاهر الحديثة. ثم خصَّ حديثه عن العقيدة في اليابان، فقال إن الأرواح هي أساسها، وهي تسري في كل شيء، ليس في كواكب السماء ونجومها فقط، بل في نباتات الحقل وحشراته! وأسهب المحاضر في حديثه حول الإصلاحات في اليابان، التي كانت نقطة ارتكازها دينية عندما استلهم قادة اليابان على مر العصور من الدين الوطني ما يوحّد أمتهم، وكان أثر ذلك بادياً في الإصلاحات الاقتصادية والتعليمية والسياسية. وأكد الدكتور المنصوري في ختام محاضرته على أن الأبحاث الاجتماعية بيّنت أن الدين مكون أساسي من مكونات الهوية الثقافية للشعوب، ولا يمكن إحداث تقدم حقيقي في كثير من المجتمعات الحديثة والمعاصرة دون استثمار القيم الدينية الوطنية الأصيلة، وبرهن علم الاجتماع المقارن للأديان على أن الدين لا يعكس فقط نظام المعنى الذي يشكل التاريخ لمجتمع ما، بل إنه يضع الهوية الفردية والوضع الاجتماعي التاريخي للمجتمع نفسه. بعد ذلك، فتح المجال لتعليقات الحضور حيث أشارت مداخلة نسائية إلى عدم تخلي الكنيسة في اليابان عن احتكار مشروعية التأويل، وعن محاولات القولبة الشاملة للحياة لكي تصبح إحدى المشروعيات والقوى الفاعلة في المجتمع الياباني، ولعل ذلك من أبرز أسباب التطور المذهل في اليابان. وأشارت بعض الأكاديميات إلى التجربة التركية، وأنها ثرية بهذه المعاني، عندما انطلقت الحكومة التركية من الدين، والعزف على وتر القضايا الإسلامية والمقدسات، وحضور الذهنية الإسلامية في شتى المواقف السياسية، وغيرها. وجاء صوت من الحضور ليشير إلى أن التقدم في اليابان بني على اعتقادات دينية خرافية. أما في بلادنا فالتطور بني على الدين الصحيح، وعزيمة الرجال الأقوياء من حكامنا الأجلاء على مر العقود الثمانية الماضية، لذا فإن التطور في بلادنا حري به أن يُلقى الضوء عليه من تجارب العالمين أجمعين، حيث الحضارة والتقدم العلمي الهائل انطلاقاً من تعاليم الدين، وعبر الاحتذاء بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة، ولقي هذا التعليق مزيداً من الإعجاب من قبل حضور الأمسية، وبه كان ختامها. وحظيت الأمسية بالحضور الجيد من قبل بعض الأكاديميين، وبعض أفراد المجتمع، الذين تفاعلوا مع مضمونها على نحو إيجابي.