حصل أمير منطقة نجران، سابقاً، فهد بن خالد السديري، على بكالوريوس في الاقتصاد السياسي من جامعة كاليفورنيا بيركلي. وقد تولى عدة مناصب حكوميه منها وكيل لوزارة الإعلام، وسفيراً للملكة في دولة الكويت. ورغبة من الشرق في إجراء حوار مطول مع السديري، قصدنا مزرعته في الغاط فأستقبلنا ببشاشته المعهودة، وبالأسلوب الذي تعود عليه أثناء حياته العملية، حيث كان مكتبه مفتوحاً، يستقبل المراجعين. ولدى دخولنا مجلس القصر واجهتنا مجموعة من صور تاريخية ولوحات تراثية، يعود بعضها إلى عصر المماليك. ويضم المجلس بعض القصائد لخالد الفيصل عن الجيرة أيام غزو الكويت في عهد الملك فهد، وكذلك قصيدة ابن بلال الشهيرة في الإبل. بروحه المرحة تحدث بشفافية عن حال الغاط، وعن استقباله لأصحاب السمو الأمراء الأمير سلطان، والأمير نايف، وغيرهم في مزرعته. • زار الأمير سلطان رحمه الله الغاط، وأقام فيها الأمير نايف، والأمير سلمان، حدثنا عن ذلك. زارني الأمير سلطان رحمه الله في الغاط، وأعجب كثيراً بالأجواء والطبيعة البسيطة، وكان يكرر القول: المملكة خيرة في كل شبر منها. واستقبلت ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير نايف لمدة ثلاث ليال، وزارني في إحدى المرات ومعه ما يقارب ستين شخصا، حيث أعددنا الترتيبات اللازمة لاستقبالهم، وكذلك الأمير سلمان، والأمير نواف، والأمير فهد بن سلطان، وغيرهم ممن تشرفت باستقبالهم، ومازلت أتذكر مقولة الأمير سلمان “أخوي فهد.. المكان هنا شرح لا ألومك بالبقاء هنا”. • متى خططتم لبناء هذا القصر؟ خططت لبناء هذا القصر قبل أن أترك نجران بأربع سنوات، وبني على يد أحد المهندسين المهرة، والذي اشتهر ببناء الحي الديبلوماسي في الرياض، وبعد أن تم الانتهاء من المبنى رأيت المنزل كبيراً جداً، ولكن بعد فترة رأيت أن التكبير في محله. • والدكم كان أميراً لمنطقة نجران، وقبلها مرافقاً للملك عبدالعزيز. هل تلخص لنا تجاربه العملية؟ والدي الأمير خالد بن أحمد بن محمد السديري كان أميراً لمناطق عدة، وأحد أبرز وأشجع قياديي الجيش في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، واشتهر بولائه وذكائه وحكمته السياسية والعسكرية والاجتماعية. هو خال أبناء مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وهم الملك فهد وأشقاؤه. عُيِّن الوالد كأمير لمنطقة جازان، ثم الظهران، وعمل بعدها مستشاراً للملك عبدالعزيز في الشعبة السياسية بالديوان الملكي، وبعدها عين أميراً على تبوك، ثم وزيراً للزراعة، وبعد تقاعده كلف أميراً على نجران. • ما هي أبرز محطات التعليم لوالدكم ذلك الوقت؟ حرص الوالد على أن يعوض بالتعلم، حيث تعلم على يد رجال الدين والمشايخ في الرياض، وكذلك على أيدي أدباء سوريين، في مدينة أبها لإتقان اللغة العربية، وحرص على تعليم أبنائه، فجميعهم درسوا دراسات علمية وعسكرية، كما أنه كان يهتم بالعلم كثيراً، فحين عين في منطقة جازان كان يمنح جوائز للمتفوقين في مسابقات المدارس، كذلك الأمر حصل في الظهران، وكذلك منطقة تبوك. • هل لك أن تحدثنا عن الإيجابيات التي انبثقت عن جائزة الأمير خالد بن أحمد السديري، والتي تنقلت من منطقة لأخرى، واستقرت في محافظة الغاط؟ هي من أقدم جوائز التفوق العلمي في المملكة، وقامت بدورها في منطقة نجران، ومنطقة سدير. بعد ذلك، كانت هنالك رغبة عند بعضهم في أن تقتصر على المتفوقين السعوديين، ولكن لجنة الجائزة فضلت تعريض المواطنين للتنافس مع المقيمين، يقيناً بأن هذه المنافسة في صالح السعوديين والعلم في المملكة، وكما كانت تنافس دولتنا الرشيدة مع غيرها من الدول في عالم متصل ومتشابك فمن الطبيعي والمنطقي أن يتنافس أبناؤها مع غيرهم، ولجنة الجائزة حريصة على الحفاظ على مستواها، سواء من ناحية البرامج والمكرمين والمدعوين، وإمكانية التطور واردة حسب إمكانياتها، والتعاون مع جامعة المجمعة، وغيرها ممكن ووارد. • شغلتم مناصب عديدة، منها سفير المملكة العربية السعودية في الكويت، فهل لكم أن تحدثونا عن تجربتكم في العمل السياسي؟ اخترت الذهاب إلى دولة الكويت، وكان ذلك في عهد الملك خالد، وهو من أرسلني سفيراً إلى هناك، الكويت تعتبر قريبة للمملكة، وبالتالي تسهل إنشاء علاقات مثمرة للمملكة هناك، حيث يوجد بالمنطقة المحايدة بين الدولتين مواطنون، وكان من المهم رعاية شؤونهم، وكنت حريصاً في هذا الشأن، خاصة أنه سبق لي العمل بشركة “جي تي”، حيث شاهدت المشاكل العمالية هناك. وبذلت جهداً في دعم من المملكة العربية السعودية لتحسين أوضاع السعوديين، سواء من الجالية، أو العمال الذين في شركة “جي تي”، والتوفيق من الله، فما كل ما يتمناه المرء يدركه، لكن تحقيق بعض الأمور الجزئية هي مبعث الرضى عندي. • شغلتم منصب وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية، كيف تقيمون تلك المرحلة الإعلامية. كيف ترى الإعلام اليوم؟ أرجو أن يركز الإعلام السعودي على خدمة المجتمع في المملكة، ومواجهتهم بالحقائق (صديقك من صدقك)، كما يجب أن يركز على ضرورة مشاركة الشعب للدولة في تطوير المملكة ونهضتها”. أما بالنسبة للإعلام المقروء، فمن وجهة نظري وجود سياسة خاطئة تتبعها الصحف باحتوائها على صفحات كثيرة، ويجب أن تركز على النوعية لكي تسهل قراءتها، فالقارئ اليوم لم يعد لديه الوقت للقراءة مثل السابق. • ما هي المؤلفات العالقة بذهنك الآن؟ كتاب “المملكة العربية السعودية عند مفترق الطرق”. • هل لكم أن تعود بنا للماضي، وتشرح لنا قصة دخول الكهرباء لنجران؟ في الواقع، كان يوجد مشروع لتوسيع الكهرباء في منطقة نجران، حيث حضر الدكتور غازي القصيبي “رحمه الله”، وما أن وصل إلى المطار عام 1403ه، عقدت معه اجتماعاً، فقدم لي المشروع الموجود معه، وهو مشروع توسعة، فقلت للدكتور غازي إن المشروع الذي قدمته لي هو مشروع قائم، وأنا كنت مصراً على أن تزور نجران لوجود عدد من القرى فيها تحتاج إلى كهرباء، مثل يدمة وبدر الجنوب، وهداده وحبونا، وكذلك تحتاج إلى قطن وثار، فتفاجأ الدكتور وقال بأن الخبراء لم يذكروا ذلك، وهذه المعلومات التي قدموها فقط عن المنطقة. • كيف بدأت الجولة مع غازي القصيبي، وتنفيذ مشروع الكهرباء، وماهي قصة أهالي محافظة يدمة مع الوزير المرحوم؟ تجولنا في تلك المحافظات والقرى، فزار المناطق جميعها، وأذكر أن أهالي يدمة كانوا أذكياء عندما أقاموا حفلهم ليلاً، واستقبلوا الوزير “بالتريك والفانوس”، واقتنع الوزير مما رأى... وقال لي الدكتور غازي: يا فهد.. أحد عشر يوماً سيصلك المهندسون لتخطيط المشروع كي يشمل إيصال الكهرباء لجميع القرى والمحافظات التي زرتها. فأجبته وقتها: أنا لست غريباً عن الجهاز الحكومي. فأكد الوزير أنه خلال أحد عشر يوماً سيتواجد المهندسون في المنطقة، وسيتم توسعة البند حتى يغطي المشروع بأكمله”. وفي اليوم الثاني، تلقيت اتصالاً من أخي تركي من المطار، وهم يودعون الملك فهد “رحمه الله” وهو ذاهب إلى جدة، وكان الدكتور غازي قد اجتمع مع الملك فهد في المطار. وقام بعدها الملك فهد باستدعاء الوزير محمد أبا الخيل، وأمر في وقتها في المطار بزيادة المبلغ المعتمد لمشروع الكهرباء في نجران، بحيث يغطي المصروفات كاملة. وقبل الموعد المحدد بيوم واحد (أي بعد عشرة أيام) حضر المهندسون إلى المنطقة، ووفى الدكتور بوعده. • بماذا تميز غازي القصيبي، رحمه الله؟ المرحوم الدكتور القصيبي قام فعلاً بإجراء نقلات نوعية ومهمة في وزارة الصحة، وباقي الوزارات التي عمل فيها، وكان يحرص في العمل على عدم تسيب الموظفين، فقد كان كفؤاً ونزيهاً. • وما هو الشيء الذي مازال عالقاً بأذهانكم إلى الآن؟ زيارة تاريخية قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد عام 1407ه، فقال أتذكرون ما فعلنا من الفرحة بتلك الزيارة، وكيف خرج طلابنا من المدارس، وحملوا الأعلام من العريسة، وحتى مكان الإقامة، وتحدثنا عن الاحتفالية التي أقيمت في ملعب التعليم، وعن دور رجال عملوا بلجان لتلك المناسبة، علماً بأن ملعب التعليم لايزال يحتفظ بتلك الصور التاريخية لزيارة الملك الميمونة. • يتحدث فهد السديري دائماً عن كسل الشباب السعودي، كيف تقيم وضعهم الحالي؟ أتمنى أن يعمل الشباب السعودي في جميع المجالات، وأن يتفوق على نفسه. عندما كنت أميراً على منطقة نجران مرَّ بي شاب في المجلس، وقال لي: بحثت عن وظيفة ولم أجد شيئاً، فابحث لي عن وظيفة، فأجبته باستغراب. العامل الأجنبي يأتي إلينا في البداية كعامل، وبعد أن يتدرج يصبح “معلما”، إلى أن ينتهي به المطاف إلى مقاول، فرد علي الشاب، وقال “أنا سعودي تبغاني اشتغل بيدي”. ويوجد (10 15)% من الشباب السعودي أمنيتهم أن يكون لديهم راتب دون عمل. • هل المشكلة تكمن في اختفاء الفلاح السعودي؟ قبل خمسين عاماً كان الفلاح السعودي يعتبر أنشط فلاح في العالم، حيث كان الناس يذهبون من بعد صلاة الفجر للعمل، وفطورهم التمر والقهوة، وفي وقت الظهر يكثرون من أكل التمر، وعندما يأتي وقت العصر تقدم لهم وجبة (تعتبر بالنسبة له هي وجبة الغداء والعشاء). الجزارون في الغاط حالياً هم من العمالة الأجنبية، وكذلك المزارعون، وهذا مؤسف جداً. • ماذا ينقص الغاط، وكيف ترى حالة التطور فيها؟ لم يرغب في التكلم عن النواقص الحالية لمحافظة الغاط، وذكر أن المعالجات القائمة تعتبر هامشية، وليست مركزة، والدولة تبذل جهداً، ولكن المواطن لابد أن يشارك. • هل لكم أن تحدثونا عن اللوحات التي تمتلكونها بالقصر؟ المماليك برزوا في عصر التاريخ الإسلامي، ولم يتم إنصافهم تاريخياً، لأنهم مماليك، وتعتبر آثارهم من أجمل الآثار، حيث توجد في كل من مصر ودمشق، ويعتبر جيشهم أقوى جيش في العالم وقتها، وتمكنوا من هزيمة الصليبيين، والمغول. • كيف هي علاقتك بأهالي نجران الآن؟ أهالي نجران أوفياء، ويزورونني من حين لآخر، ولهم بعض الصور في مجلسي، مع أن الجهود التي بذلت في نجران هي للدولة، والدولة حريصة على توفير المشروعات بالمنطقة، وهي تقدر أهالي نجران كباراً وصغاراً، وأنا كان واجبي تمثيل الدولة في هذا الشأن. فهد السديري مع الأمير نايف يزوران نجران (الشرق) صورة تجمع محمد و خالد السديري