مرحلة الاستقراد، هي ذروة سلم التحضر البشري، التي تمنحك قدرة الخروج من دائرة بشريتك، وتحررك من قيد التبعية إلى فضاءات الاستحداث، ومن سلسلة العادة إلى بحار الابتكار، ومن أغلال الدين إلى سماء التفكير، والنتيجة هي التوحد مع السعادة، والأنس، والحرية المطلقة في كيانٍ واحد، بل ستصبح السعادة روحاً من روحك، مختلطة بذاتك بتداخلٍ عجيب لا يستشعره إلا من وردَ مورد الاستقراد. ولأن المجتمعات البشرية بطبيعتها، وفطرتها، تُلزمُك بالتعايش مع الآخر، مما يستحيل معه ممارسة الحرية المطلقة، لذلك فإطلاق الحرية لا يتأتى إلا بأمرين، فإما أن تعيش وحيداً في كوكبٍ خارجي، تُمارس فيه حريتك بطلاقة – مع تجاهلِ القوانين الفيزيائية للطبيعة، التي حتماً ستحدُّ من حريتك- أو أن تُلقي عنك ثيابك البشرية، وتُحلّقَ إلى الحرية المطلقة، قاصداً ذروة التحضر المنشودة عبر مرحلة الاستقراد. وقد وصف هذه المرحلة كثيرٌ من الفلاسفة والمفكرين بأوصاف معقدة يصعب على القارئ الإلمام بها، ولكنّ أقصر طريق للوصول إليها يكون عبر «اتخاذ القدوة والمثل الأعلى»، بخطوات مدروسة وثّابة من غير دخول في المعمعة الفكرية، والسجالات الفارغة. اخترْ قرداً، تعتقد أن فيه كل ما ينقصك من ذكاء، وجرأة، وخفة حركة، مع ملاحظة طريقته في التخاطب، والأكل والشرب، واللبس، والتناسل، ثم بعد هذا لم يبقَ عليك إلا محاكاته. ومع هذا ستقابل بعض الصعوبات في الاعتياد على المظهر الخارجي، وضياع الملابس، ولكن لا تلقي لذلك بالاً، فالذين استقردوا من قبل وجدوا لك حلاً، ولو أنه مناقضٌ لأركان الحرية، ولكن لا بأس، فقد صنّفوا، ومازوا بين الجنسين، فقالوا هناك ذكر محدود الحرية، وأنثى لا محدودة الحرية. فالذكر يمارس حريته الفكرية، والخطابية، والعقائدية، والاقتصادية، والتعايشية، ويضمن الدفاع عن الأنثى، والمطالبة بكامل حريتها، وفي المقابل عليها هي أن تمارس حريتها – بالإضافة إلى ما سبق- في مظهرها الخارجي، والكيفية التي تظهر بها أمام بقية القردة، فالقانون ينص على أنه كلما خفَّ لِباسُ «المُسْتقرِدة» زادت درجات استقرادها. بمعنى أن تصبح قردة كاملة، وهو يبقى كنصفِ قرد. ومع مرور الزمن، وزيادة عدد المستقردين، وعندما يصبح الجميع يمارس عملية «الخَلع»، يستطيع القرد الذكوري أن يصل إلى مرحلة الاستقراد الكاملة. والاستقرادية بقوانينها تستلزم غياب العقل البشري، وبالتالي تنوب عنه الغرائز الاستقرادية، وتصبح هي المتغلبة في هذه المرحلة، لذا على القرد والقردة، المنضمين حديثاً، التكيف السريع مع المرحلة الجديدة، والانبطاح على سُرر السعادة والأنس حتى لا يفقدا أماكنهما، ويُبحث عن غيرهما.