من منا لا يتمنى أن يغرس له بذرة يراقبها ليلاً ونهاراً كيف تنمو ومتى تثمر؟.. حتى إذا رأى الثمر اليانع فرح واستبشر ورفرفت السعادة في محياه. إن التربية حصاد ل بذور غرست بأطايب الأخلاق وسقيت بقدواتٍ حسنةٍ، وهي تتكون من شقين مهمين يكمل كل منهما الآخر ليتحقق الهدف المنشود. أولهما الكلمة الطيبة التي تتمثل في النصح الصادق، والقدوة بالأفعال القويمة التي يجب أن تتوافق مع صدق النصح والتزامه في كيان الناصح. كلما كانت التربية صريحة وصالحة وتحتوي على قيم الأخلاق والنية الصادقة في إيجاد أبناء صالحين يمثلون الآباء خير مثال ويكون لهم دور سامٍ في مجتمعهم ووطنهم، كلما كان الأثر المنشود أنجع وأنجح وأكثر وضوحاً، ومن ثم تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل تعبر عن مبادئ لا يمكن لأحد أن يحيد عنها. الوالدان لهما الحرية التامة في تربية أبنائهم، فبعضهم يحب أن يطبع على تربيته لأبنائه طابع والديه، فتجده يعيد ما مضى من تلك التجربة التربوية التي تلقاها دون سعي منه لإلغاء السلبيات وتعزيز الإيجابيات، أما بعضهم الآخر فقد يتمسك بمبدأ (أود لأبني أن يكون أفضل مني) فتجده مطلعاً ومهتما بالشؤون التربوية والأسس العلمية في هذا المجال. فالتربية لا تنحصر في جانب من جوانب الإنسان بل تشمل كل صفات الفطرة الإنسانية التي تحتاج إلى تقويم لتنتج شخصية سوية غنية عن النقص لتصل إلى الجمال المتمثل في الأخلاق والأفعال، وكما قال أفلاطون: «التربية هي إعطاء الجسم والروح كل ما يمكن من الجمال، وكل ما يمكن من الكمال». التربية لا تقتضي من المربي طمس ملامح شخصية الفرد وتغيير سماته بقدر ما هي تقويم مساره وتصحيح بعض العيوب وتعزيز ما يملك من مميزات لإشعاره بالتقدير الجم لذاته والاعتزاز بقيمه والتمسك بمبادئه لينتج للمجتمع أفراداً قادرين على مواجهة صعاب الحياة دون اعوجاج في السلوك والأخلاق. لهذا فإن التربية شأنها عظيم أعظم من أن يهتم الآباء بتكرار الإنجاب دون وعي منهم كيف يتربى أبناؤهم وعلى ماذا؟! فالأبناء يجدون الآباء لهم دائماً نبراساً، والحقيقة هي أن الأبناء لوالديهم مرآة.