قبل أشهر وصفت إحدى الصحف المحلية عملية ناجحة لوزارة الداخلية ب (الثأر) لمقتل أحد أفرادها، غير أن وزارة الداخلية رفضت هذا الوصف على لسان متحدثها الرسمي اللواء منصور التركي، وقالت: إن رجال الأمن لا يثأرون ولا ينتقمون من أحد، وبالمثل فإن المتحدث الرسمي لعاصفة الحزم العميد أحمد العسيري، لا يعبر عن سير العمليات العسكرية في اليمن على أنها تأتي في باب الثأر أو الانتقام، ولا يعتبرها حرب دولة لدولة، بل يستخدم لغة راقية جداً، موجهة إلى قلوب الإخوة اليمنيين مباشرة قبل عقولهم، لأن الحرب هي من أجل اليمن، وحين تنساق بعض قنواتنا الإخبارية خلف الغوغاء فتصفها بأنها ثأر أو انتقام فإنها ستفقدنا كثيراً من إخوتنا اليمنيين الذين قامت الحرب من أجلهم، كما أن مواجهة فئة معينة من شعب أو جماعة أصعب في العمل الدعائي من المواجهة بين دولة ودولة، وإنه لا أضرَّ بحربنا في اليمن من أن يأتي بعضُ السذَّج ليُصوِّروا عملياتها على أنها تدخل في باب الثأر أو الطائفية، متماهين مع الأعداء في دعايتهم! فعندما أعلنت قيادة التحالف عن استهداف منطقة صعدة أطلق بعضهم وسماً أسموه (الثأر لنجران)! كما أرادوا تصوير استهداف ضريح الحوثي على أنه عائدٌ لأسباب طائفية! ففضلاً عن أن هذه الادعاءات تجافي الواقع، فإنها تفقدنا كثيراً من الدعاية في الحرب، فالسعودية ودول التحالف لم تتدخل في اليمن إلا بناء على طلب أهلها، وحين يتخذ الحوثيون من أماكن العبادة منطلقاً لعملياتهم، ويجعلونها مستودعات ومخازن للسلاح، فاللوم لا يقع على من هاجمها ودمرها في سبيل الدفاع عن نفسه، بل اللوم على من استخدمها وأهانها في سبيل الاتجار بالطائفية، فحتى الحرم المكي الشريف حين استخدمه جهيمان وجماعته في تضليل الناس واحتجاز رهائن عام 1400 ه، حُوصِر واستخدمت القوة ضد المتطرفين من أجل تطهير الحرم من رجسهم وتحرير المحتجزين. يجب أن يعلم بعضهم أن التطبيل ليس أفضل وسيلة لإقناع الناس، وأن السعودية ما دخلت الحرب في اليمن إلا دفاعاً عن الشرعية، ونصرة للإخوة اليمنيين في تحرير بلدهم من الاحتلال الإيراني، عبر وكلائه من الإرهابيين والخونة، وبعد أن يئس الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي من إمكانية التوصل إلى حل عن طريق الحوار معهم، فالحوثيون اختطفوا الدولة وبدأوا في القتل والتخريب والتصفية، بالتآمر مع الرئيس المخلوع الذي أراد أن يقول للعالم إنه الشخص الوحيد القادر على بسط نفوذه على الدولة، وأن على اليمنيين أن يختاروا بينه وبين الحرب الأهلية! فعمل من بداية توقيعه على الاتفاقية الخليجية على خلخلة الأمن في اليمن، وإسقاط مؤسسات الدولة بيد الحوثيين واحدة واحدة، من أجل أن يُقدِّمَ نفسه كحل وحيد للأزمة اليمنية، إلى أن وجد الرئيس الشرعي نفسه محاطاً بمجموعة من العملاء والخونة، وصار رئيساً مجرداً من كل الصلاحيات! فليس له من مهمة سوى تمرير نزوات أولئك المراهقين، والتشريع لممارسات الانقلابيين عبر قرارات مدموغة بختمه وتوقيعه، فلم يجد بداً من تقديم استقالته، ليضع حداً لهذا العبث والهزل والانفلات الأمني، وكي يقطع الطريق على من أرادوا استخدامه في تسليم اليمن إلى إيران بطريقة شرعية، فكان جزاؤه أن حُوصِرَ وهُدد ووُضِعَ رهن الإقامة الجبرية، إلى أن تم تهريبه إلى عدن، ومن هناك أعد خطته لاستعادة الدولة، وإنقاذ اليمن من التفتيت والتقسيم والضياع، فبدأ بمخاطبة الملك سلمان -حفظه الله- من أجل أن يتدخل في اليمن، ولذا هبت (عاصفة الحزم)، فهي إذن من أجل اليمن ونصرة للإخوة اليمنيين. من المؤسف أن بعضاً من وسائل إعلامنا باتت تتأثر بالجماهير بدلاً من أن تؤثرَ فيهم، وصارت تُقَاد من قِبل الغوغاء بدلاً من أن تقودهم، وأصبح خطابها موجهاً إلينا لا إلى غيرنا، فهي تريد أن تقنع العالم بعدالة قضايانا من خلال إقناعنا نحن بها، معتقدةً أن الآخرين لا تنقصهم سوى المعلومات، وأنهم بمجرد أن يحصلوا عليها فسيرون الأشياء بطريقتنا، إنهم لا يدرون أن هذه المعلومات لن تؤثر في الآخرين ما لم تمر عبر مصافٍ ثقافية تناسبهم، فالحرب عندما تُصوَّر على أنها دعمٌ للشرعية تكون أبلغ في حشد الحلفاء من أن تُقدمَ على أنها وقائية لأمن الخليج، كما أن حماس الإخوة اليمنيين في الحرب حين تكون نصرةً لليمن يفوق آلاف المرات حماسهم حين تكون ثأراً لنجران، وإنه لا أخطر من الدعاية الغبية التي تكون منفعتها لأصحابها مثل منفعة (طير ابن برمان)، حين أتى ب (الأفعى) بدلاً من الصيد فألقاها على رأس صاحبه فلدغته ومات!