أسدل الستار، أمس الأول الأحد، على فعاليات المعرض الدولي للكتاب في الدارالبيضاء، الذي كانت المملكة العربية السعودية ضيف شرف دورته 18. وبحسب كبار المثقفين والزوار والشخصيات، فإن مشاركة المملكة أضفت جمالية على المعرض، بالتنوع الذي ميز برنامجه العام، وحضور المفكرين والشعراء الذين مثلوا السعودية، مع تساؤلات حول غياب أسماء أخرى تشكل ثقلاً في الساحة الفكرية السعودية. وتميزت مشاركة المملكة في رواق مساحته 630 متراً مربعاً بعدد الأنشطة الفكرية التي تابعها جمهور غفير من زوار المعرض الذي دام عشرة أيام. تنويهات مغربية زار الرواق السعودي كبار المسؤولين المغاربة، وفي مقدمتهم الأمير رشيد، شقيق الملك محمد السادس، الذي افتتح المعرض، وجال في الرواق وتبادل أطراف الحديث مع مسؤوليه. كما زار الجناح وزير الثقافة الدكتور محمد أمين الصبيحي، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الدكتور سعد الدين العثماني، والدكتور الحسن الداودي وزير التعليم العالي، ووزير العلاقات مع البرلمان الحبيب الشوفاني. وقال الوزير الصبيحي في تصريح ل»الشرق» إن المملكة العربية السعودية تشهد انتعاشة حقيقية للحياة الثقافية، وهي مفخرة للجميع، مشيراً إلى أن الرواق السعودي متميز، ويعطي صورة واضحة ومتقدمة عن المملكة والإنتاج الفكري فيها، معرباً عن أمله في أن يتوالى التواصل الفكري والثقافي بين البلدين الشقيقين. من جهته، نوه الوزير الداودي بالمشاركة السعودية، مؤكداً أن المملكة في قلب كل مواطن مغربي، داعياً إلى مزيد من التعاون على مستوى البحث العلمي «لضمان آفاق واعدة للأجيال المقبلة، وللشباب الحاضر». وأكد الداودي أنه تم الاتفاق مع نائب وزير التعليم العالي السعودي ،الدكتور أحمد السيف، على توأمة «جامع القرويين» بفاس، و»أم القرى» بمكة المكرمة، على أن يتم توسيع هذا التعاون بين مختلف الجامعات مستقبلاً. وتميزت المشاركة السعودية في المعرض بتنظيم عدد من الندوات والمحاضرات والقراءات الشعرية، ما مكن الجمهور المغربي من التعرف عن قرب على الثقافة السعودية، حيث كان نائب وزير التعليم العالي الدكتور أحمد السيف إلى جوار سفير خادم الحرمين الشريفين الدكتور محمد بن عبد الرحمن البشر، والملحق الثقافي للمملكة ناصر البراق، في مقدمة الحضور، وسهروا على إنجاح الحدث. وجوه سعودية ومن بين الندوات التي شدت إليها الأنظار ندوة «الرواية والقصة في الأدب السعودي» التي شاركت فيها الكاتبة والأديبة أميمة خميس، والروائي يوسف المحيميد. وأكدت أميمة خميس أن عدد الروايات السعودية على امتداد نصف قرن لا تزيد على ثلاثين رواية، بينما بلغ عددها في عام 2003 فقط 31 رواية، و 32 رواية عام 2004، لتصل إلى 54 رواية عام 2006، بمعدل رواية كل أسبوع، وقالت إن الرواية في المملكة ولدت في ظل فكرة الحداثة بديلاً من الأسطورة. وطرحت خميس أسئلة حول ماهية وطبيعة الحراك الثقافي الذي تخلقت بين يديه هذه الطفرة الروائية السعودية، وحجم التبدلات في القيم الأدبية والجمالية التي أفضت إلى بلاط الرواية. وتناولت خميس بالدرس والتحليل علاقة المرأة مع الرواية، التي وصفتها بأنها لم تكن ودودة مع المرأة، حينما اعتبر اقتحامها للرواية تجرؤاً على مجلس الرجال الكبير. وقالت «إن الرواية الجديدة تتحول إلى منشور شغب اجتماعي، خصوصاً عند الحديث عن السمات الوظائفية للرواية»، مؤكدة أن اختلاط الفني بالاجتماعي أدى إلى طغيان الجانب الاحتجاجي عليها، لتؤكد بأنه لم يعد في استطاعة الشعر أن ينظم حالة الفوضى الاجتماعية، لأن الرواية تسللت لتقوم بتفسير غموض العالم والأحداث. أما الروائي والقاص يوسف المحيميد، فتحدث عن ثورة القصة القصيرة في سنوات الثمانينيات، والتي شبهها بثورة الرواية القصيرة في مصر سنوات الستينيات. وأكد أن القصة القصيرة لم تهجر في السعودية، حينما استعرض أهم مميزاتها الفنية، والتي عددها في جمالية النص السردي، وجمالية التأصيل والواقعية، من خلال المقارنة بين جيلين. كما شهدت محاضرة سمات الأدب السعودي، التي نشطها الروائي عبده الخال، والمحيميد، نقاشاً مستفيضاً، فتم الحديث عن التحولات التي يشهدها مسار القصة والرواية في المملكة، كما تم الحديث عن النقد الأدبي وسماته. ومن بين الندوات التي حظيت بنقاش مطول بين المثقفين العرب ندوة «تنمية المكتبة والقراءة»، ومثلت المملكة فيها مديرة القسم النسائي ومكتبة الطفل في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، فاطمة محمد الحسين، وحضرتها عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، الدكتورة جوهرة آل الشيخ، ووكيلة قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود بالرياض، الدكتورة ميساء الخواجا، إضافة إلى الشاعرة أشجان الهندي. وشكل اللقاء فرصة للتعريف بمكتبة الملك عبدالعزيز المتميزة، والتي تسهر على تطوير خدماتها، والإتيان بأفكار جديدة، ومشروعات تواصلية، منها ملتقى كتاب الشهر الذي تتم فيه مناقشة الكتب، ويحضره أكثر من مائتي شخص شهرياً. وكانت وكيلة جامعة نورة للدراسات العليا والبحث العلمي، الدكتورة فردوس بنت سعود بن محمد الصالح، استعرضت تجربة السعودية في تعليم النساء، في سياق ندوة شاركت فيها حول «التعليم العالي السعودي للمرأة.. الواقع والمأمول»، مشيرة إلى الاستراتيجية التي تعتمدها المملكة تنصب حول الاهتمام الكبير بالعنصر البشري، وخاصة التعليم العالي للمرأة. حضور الشعر ومن بين أقوى نشاطات جناح المملكة في المعرض القراءات الشعرية التي ألقيت من طرف مبدعات ومبدعين سعوديين. وسرقت الدكتورة أشجان الهندي الأضواء، سواء خلال الأمسية التي شاركت فيها إلى جوار شاعرات وشعراء مغاربة وعرب، أو خلال الأمسية الخاصة بشعراء السعودية. ففي قصيدة مليئة بالمشاعر النبيلة، تغزلت أشجان بالمغرب وأهله، إضافة إلى قصائد أخرى تجسد مدى رفاهة حس المبدعة التي صفق لها الجمهور طويلاً، حيث ألقت قصائد «خانوا جمالك»، و»دمشقيات»، و»بالباب أسئلة»، و»المسرة»، و»تحليق»، و»يتورط البدوي عشقاً». كما ألقى وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود، الشاعر الدكتور أحمد بن عبدالله السالم، مجموعة من القصائد التي شنفت أسماع الحضور، شأنه شأن الشاعر الدكتور جاسم محمد الصحيح، الذي ألقى قصائد شدت إليها الأنظار من قبيل «لاشيء مثل الحب»، و»ما وراء حنجرة المغني»، و«شحاذ الأسرار». الفن التشكيلي وحضرت الفنون التشكيلية السعودية من خلال لوحات الفنان طه الصبان، وأمل فلمبان، وأمل سعود، بأساليب فنية مختلفة، من التعبيري، إلى الرقمي، وكلها حظيت بإعجاب الزوار. وعلى خط آخر، أبدت الدكتورة ميساء الخواجا وكيلة قسم اللغة العربية في جامعة الملك سعود، إعجابها بالمشاركة السعودية في المعرض، منوهة بحسن التنظيم، وبطريقة توزيع الكتب بحسب الموضوعات، ما يسهل على الحضور العثور على الكتاب، أو الموضوع. من جهتها، قالت الدكتورة رسماء عبدالرحمن الشدي التي أعدت كتاباً جمعت فيه ما قاله الشعراء السعوديون في المغرب، تحت عنوان «نماذج مختارة من نتاج الشعراء السعوديين في المملكة المغربية»: إن المشاركة السعودية في المعرض لم تكن مشاركة شرفية فقط ، بل خرجت عن إطارها النمطي لتمثل العلاقة بين المملكتين المغربية والسعودية، في أبهى صورها، وأجمل تجلياتها، وهو أمر ظاهر للعيان. المؤسسات المشاركة ضم الرواق عدداً من المؤسسات التي دعيت لتمثيل المملكة في المعرض، من بينها مكتبة الملك فهد الوطنية، التي عرضت مجموعة من إصداراتها ككتاب «الإنتاج الفكري المغربي بمكتبة الملك فهد الذي أعده أمين المكتبة محمد بن عبدالعزيز الراشد، وهو عبارة عن بيبلوغرافيا حصرية لجميع الكتب المغربية التي تقتنيها المكتبة، إضافة إلى مجموعة من الصور التاريخية النادرة. كذلك جامعة «أم القرى» التي شاركت بنحو 84 كتاباً، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بحوالي مائة عنوان من مطبوعاتها، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعدد من إصداراتها المتخصصة في اللغة والشريعة، وغيرها من الفنون، ووزارة الشؤون الإسلامية، ومجمع الملك فهد، وجامعة طيبة بالمدينة المنورة، وجامعة القصيم، ومكتبة الملك فهد الوطنية، وجامعة الملك فيصل، ودارة الملك عبدالعزيز، التي شاركت بحوالي مائة إصدار من ضمنها كتب تاريخية وجغرافية ودينية وكتب الرحلات، إضافة إلى وزارة الثقافة والإعلام التي كانت حاضرة بمئات العناوين، في مختلف التخصصات. يذكر أن عدداً من المحاضرات والندوات تم تنظيمها على هامش المعرض، وقام بتنشيطها عدد من خيرة المفكرين والمبدعين والشعراء من المملكة العربية السعودية، علماً أن المعرض تميز أيضاً بتنظيم ندوات ومحاضرات شارك فيها أدباء عرب وأجانب. كما تميزت الدورة 18 من المعرض بتنظيم لقاء مفتوح بين المثقفين المغاربة والسعوديين ببادرة من سفير المملكة العربية السعودية في المغرب، الدكتور محمد بن عبدالرحمن البشر، والملحقية الثقافية للمملكة في الرباط. أشجان هندي