فرضت أزمة المشاريع الحكومية المتأخرة، أمس، نفسها على ثلاثة أطراف في العاصمة ناقشوا أسبابها وحلولها في ندوة مفتوحة. الأطراف هي هيئة مكافحة الفساد، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، ولجنة المقاولين في مجلس الغرف السعودية. وأدلى كلٌّ بدلوه في توصيف مشكلة تأخر المشاريع التي باتت واقعاً مزعجاً للأجهزة الحكومية وللمقاولين، وقبل ذلك للمستفيدين من المشاريع الحكومية مواطنين ومقيمين. رئيس هيئة مكافحة الفساد رفض ربط تأخر تنفيذ المشاريع بالفساد في كلّ الحالات. وقال الدكتور خالد المحيسن، بُعيد افتتاحه الندوة إن «تأخر أي مشروع ليس فساداً بالضرورة»، موضحاً أن هناك أسباباً معينة «منها طبيعة المشروع وتغيرات معينة في آلية التنفيذ، ولعل هناك بعض الحالات التي نطلق عليها شبهة فساد». وإجابة لسؤال «الشرق» قال المحيسن إن «الهيئة في طور دراسة تطبيق العقد الموحد «فديك» مع وزارة المالية». وأضاف أن «الهيئة لديها آلية للتفريق بين المقاول المتعثر والمقاول المتأخر، وهناك جزاءات تتعامل الهيئة مع كل جزء محدد لمعالجته وفقاً للآلية النظامية الموجودة لدى الهيئة». وكشف المحسين عن رصد الهيئة كثيرا من المشاريع الحكومية المتأخرة والمتعثرة منها بسبب وجود شبهة للفساد والمحسوبية، ومنها عدم المتابعة لما يتم تنفيذه. وقال «بلغ عدد المشاريع التي تم الشخوص إليها منذ إنشاء الهيئة 1526 مشروعاً، بلغت نسبة المتعثر والمتأخر منها 44% بعدد 672 مشروعاً. وشددد على أهمية استمرار التعاون بين الهيئة ووزارة الشؤون البلدية والقروية فيما يخدم المصلحة العامة. وأكد على الرغم من المبالغ الطائلة للإنفاق الحكومي على المشاريع إلا أن واقع هذه المشاريع لا يعكس مستوى وطموح القيادة والمواطن. ورصد المحسين جملة من أسباب تعثر وتأخر المشاريع، أهمها: غياب التخطيط، عدم وضوح الرؤية أثناء مرحلة الدراسات والتصميم، عدم الاعتناء بإعداد وثائق المشروع قبل طرحها للمنافسة، القصور في دراسة طبيعة المشروع من حيث الموقع ومتطلبات التنفيذ، عدم الاهتمام باستخراج التراخيص وتقارير التربة اللازمة للمشروع، عدم وضوح المتطلبات اللازمة لمن يتقدم للمنافسة، قصر المدة الزمنية لتقدير وتسعير قيمة المشروع من قبل المتنافسين، التركيز على التحليل المالي للعطاءات دون النظر للتحليل الفني وينتج عن ذلك الترسية على صاحب العطاء الأقل دون مراعاة الإمكانات الفنية، الترسية على مقاولين لديهم مشاريع أخرى متعثرة وتفوق إمكاناتهم المالية والفنية، استخدام نفس كراسة الشروط والمواصفات لأكثر من مشروع بالرغم من الاختلافات بينها، ضعف كفاءة جهاز الإشراف الفني التابع للجهة الحكومية. وأضاف المحيسن هناك أيضاً عدم مشاركة فروع الجهات الحكومية في المتابعة والإشراف، ضعف كفاءة أعضاء لجان الاستلام الابتدائي والنهائي للمشاريع، عدم وجود مكتب لإدارة المشروع (PMO)، ضعف التنسيق بين الجهات الخدمية التي لها علاقة بمواقع وأعمال المشاريع، ضعف القاعدة المعلوماتية لدى الجهات المختصة عن البنية التحتية، كثرة أوامر التغيير خلال عملية سير المشروع، التوسع في التعاقد مع مقاولين من الباطن دون موافقة الجهة مالكة المشروع، عدم تطبيق الأجهزة الحكومية إجراءات سحب المشروع من المقاول. وشدد على ضرورة إعادة هيكلة قطاع المقاولات في المملكة بما يتناسب مع حجم المشاريع الحالية والمستقبلية، من خلال إجراء الدراسات والبحوث في هذا المجال، ومن ذلك النظر في اندماج شركات المقاولات القائمة، أو العمل على إنشاء شركات مساهمة يشارك فيها المواطنون بهدف إيجاد كيان قوي متمكن للنهوض بهذا القطاع الحيوي، والحد من المشكلات التي تواجهه في القطاعين العام والخاص. من جانب آخر أكد وزير الشؤون البلدية والقروية المهندس عبد اللطيف آل الشيخ دخول قرار مجلس الوزراء المتعلق بمنع دخول المقاولين المتعثرين في المشاريع حيّز التنفيذ. وقال آل الشيخ إن القرار بدأ تطبيقه حيث يُمنع المتعثرون ثلاث سنوات من دخول المناقصات الحكومية. وأضاف أن كل جهة حكومية لديها رؤية خاصة بها لتنفيذ القرار ووزارة الشؤون البلدية والقروية لديها رؤيتها الخاصة بهذا القرار والجهة المختصة في الوزارة لديها جهة تراجع كل مقاول و من يثبت تعثره سوف يطبق عليه القرار. ورداً على أسئلة وسائل الإعلام أكد الوزير آل الشيخ عدم وجود أي حالات فساد في وزارته، وأن الوزارة تطبق التشريعات الخاصة بالنزاهة والمراقبة وتطبيق العقود بكل احترافية وما تحتويه من شروط بين الجهات الحكومية والمقاول. حيث إن هناك رقابة صارمة على الأداء وتطبيق الشروط بحذافيرها وعلى جانب مقابل شكا عضو لجنة المقاولين المهندس عبدالحكيم السحلي معاناة المقاولين من وزارتيْ المالية والعمل. وقال: من جهة المالية فالأمر يتعلق بعدم وجود مؤشرات وآلية توضح السعر الأنسب بالرغم من أن نظام الشراكة الحكومية واضح حيث أنه يدرس من ناحية الكفاءة والقدرة والسعر المناسب ولكن ذلك يتم تلافيه ويدرس فقط الالتزام بالسعر الأقل والأنسب ويتم التركيز على السعر الأقل وليس الأنسب. وأوضح السحلي ل «الشرق» أن من بين الصعوبات التي يواجهها المقاول نظام ضمان متطلبات الصيانة، وهو تغطية أي شيء ينتج عن سوء الصناعة أو سوء المصنعية وليس له علاقة بسوء الاستخدام بالإضافة إلى التشغيل الذي هو عبارة عن توريد المنتج وهنا تنتهي مهمة المقاول ولكن الذي يحصل أن المقاول يلزم بالصيانة حتى بعد التشغيل رغم أن هذا ليس من مهام المقاول. من جانب آخر كشف المهندس خالد بن ناصر الراجح مدير إدارة متابعة عقود الشركات في «نزاهة» أن الهيئة تلقت بلاغات حول استغلال بعض الموظفين في بعض القطاعات الحكومية وظائفهم لترسية مناقصات على شركات لهم علاقة بها وأن تلك القضايا تلقت الهيئة بلاغات حولها وتعاملت معها وأحالتها للتحقيق للقضاء وللجهات التي لها علاقة بتلك المشاريع وتم التحقيق فيها ومعالجتها. وأضاف أن إدارة الإحصاء التي أنشاتها هيئة مكافحة الفساد تقوم برصد مثل هذه التجاوزات في القطاعات التي كشفت فيها مثل هذه الحالات لرصدها دون أن يشير إلى إحصايئة محددة. وفي تساؤل آخر من «الشرق» حول إمكانية إنشاء هيئة حكومية مستقلة لمراقبة المشاريع استحسن المهندس الراجح الاقتراح مؤكدا أن ذلك سيعالج كثيرا من المشاريع المتعثرة والمتأخرة أيضاً.