الهوية كما تعرِّفها معاجم اللغة هي حقيقة الإنسان المطلقة وصفاته الجوهرية. كذلك تعرَّف الهوية الوطنية بأنها المعالم والخصائص المميزة وأصالتها. إن كلَّ فرد من أفراد المجتمع تقعُ على عاتقه مسؤولية حقيقته المطلقة، وتشكيل معالم وخصائص الوطن حتى يكون ممثلاً لوطنه وللمجتمع الذي ينتمي إليه، والشعوب تعرف بعضها بتلك الخصائص والعادات والملامح وطريقة الملبس، وما إلى ذلك من أمور تدل على هوية صاحبها. وحتى تكون هوية الفرد بارزة ومميزة يحتاج صاحبها أن يكون مقتنعاً من الداخل بهويته ومعتزاً بها وحريصا على إبرازها بأجمل الصور. لكن ما نشاهده من ظواهر التقليد لكل ما يرد للمجتمع عبر أجهزة التلفاز والإنترنت، يشعرنا أننا نسير نحو مجتمع أشبه ما يكون ب (مجمع الهويات)، ذلك أن كثيرا من أفراد المجتمع لديهم قابلية لاستبدال هويتهم بمجرد اطلاعهم على هويات الشعوب الأخرى. الاطلاع والمعرفة والتجريب أحيانا لا عيب فيها؛ بل إنها أمور جميلة تعزز التواصل الإيجابي بين الشعوب وتبادل المعرفة، ولكن المزعج في الأمر أن الاستيراد لا يكون للإيجابي فقط، بل إن ما يحدث هو استيراد السلبيات بشكل مبالغ فيه والانبهار بما عند الآخرين، في المقابل لا نجد من أفرادنا من يصدّر للعالم هويتنا ويحسن إبرازها بإيجابية، والأدهى أنهم يتحمّسون للتقليل من قيمة موروثاتنا وهويتنا ورسمها بصورة سلبية للآخرين. هذا الانقياد التام للتقليد ومحاكاة الآخرين قد يكون ناتجاً عن عدم الثقة فيما نملك أو الجهل بأن ما نملكه لا يقل قيمة عمّا يملكه غيرنا أو قد يفوقه قيمة. ختاماً، التبادل الثقافي والفكري جميل بين الشعوب شريطة أن يكون إيجابياً لا يُسهم في إلغاء هوية مقابل استيراد هوية أخرى، ودون أن يكون وسيلة لنشر سلبيات شعوب أخرى في مجتمعنا، والمفترض أن يكون معززاً لما نملك من إيجابيات أو مصلحاً لما فسد في تفاصيل تطبيقاتها.