لا يخفى على أحد ما وقع من جريمة نكراء غادرة أصابت شمالنا الحبيب، ولمن لا يعلم من المشايخ والمثقفين الذين لاذوا بالصمت هذه المرة (مع أن أصواتهم مرتفعة وصاخبة في قضايا خلافية!) فإن «عرعر» النقية بأهلها قد فُجعت كما هو الوطن بجنود بواسل دافعوا عن التراب كما يدافعون عن النفس، ووقفوا دون الأرض كأنهم يقفون دون أولادهم، وماتوا شرفاء شهداء بإذن الله، وكما هو حال الدواعش من غدرٍ ولؤم فقد كانت الحادثة غادرة! والمؤسف في الأمر أن المنفذين لهذا الهجوم من أبنائنا الذين تشربوا فكراً همجياً يقدّس الظلام ويتيه في صحراء الرجعية، وبما أن التاريخ يعيد نفسه فإن من الجدير بالذكر الكلام عن مجموعة من الظلاميين الذين ظهروا في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله إبان تأسيس الدولة وكان لهم مشاركات في السيطرة على بعض المناطق إلا أن فكرهم في النهاية صار مضاداً للدولة ومؤسساتها فحرّموا البرقية والتعامل مع الكفار وامتهنوا التكفير وصاروا يغزون مناطق واسعة فيقفون قريباً منهم فإن سمعوا الأذان تركوهم وإن لم يسمعوه قالوا: اقتلوا المشركين! فيقتلون الطفل والشيخ الكبير! وقد تم القضاء على هؤلاء البُغاة بعد مدّة وبعد أن استفاد بعضهم من وجودهم وكانت الخسارة للإنسان والوطن. يتشابه إخوان من طاع الله مع الدواعش في أمور كثيرة منها: ركوبهم مطية التكفير لكل من خالفهم في التوجه والسياسة، وعدم تورعهم عن سفك الدماء، حتى دماء المصلين الصائمين! فقد قتلوا في مناطق الشمال أناساً من البدو وهم سجود! وكذلك في تطبيقهم لغالبية القواعد التراثية المتشددة المنتقاة في مسائل الاختلاف والتعامل مع غير المسلم وغيرها، وكذلك يتشابهون معهم في طريقة الخطاب الموجه لعامة الناس؛ فقد كان للإخوان الأوائل قصائد وشعراء يدافعون عن طريقتهم ويزيلون عنها التهم ويخوفون أعداءهم بها ويؤكدون أنهم باقون منصورون كما هو حال الدواعش! وكذلك كانوا يطبقون نظرتهم للحِسبة كما يطبقها تنظيم داعش اليوم! فقد كانوا يجلدون الناس في المناطق التي يسيطرون عليها ويضربونهم تطبيقاً لشرع الله كما يزعمون! فمنكرات مثل «التتن» أو التدخين والتأخر عن الجماعة والتغزل بالنساء كانت كفيلة بالضرب المبرح أمام الناس! ومن طرائف الشعراء أن بعضهم كان يعارض هذا التوجه المتشدد فيتغزل: يا عين لك بالهوى لَفته ما أنتي على دين الإخواني وجدي على واحدٍ شفته عوده من الزين روياني! وكذلك كانوا يحافظون على زيٍّ موحد هو العمامة البيضاء تمييزاً لأنفسهم عن العوام، ويتسمّون ب«إخوان من طاع الله» ويعتمدونه شِعاراً لهم وهو أمر شبيه بما يفعله المنتسبون إلى داعش من الدعايات والشعارات البرّاقة والحماسية بوصفهم جنود الإسلام وحُماة الدين وأن دولتهم باقية وتتمدد! ومن الصفات المشتركة بين الفريقين أنهم لا يتورعون عن قتل أهلهم فقد كان الإخوان يغزون قبائلهم الموالية للدولة ويرون كفرها وخروجها عن الملة! وبعد؛ فهذا التشابه الكبير بين الدواعش وإخوان من طاع الله يجعلنا نثير عدداً من الأسئلة المهمة في محيطنا، ما هو التراث الذي يتفق فيه المتشددون وينهلون منه خبثهم وإثمهم؟.. كيف نستطيع أن نحارب الفكر بالفكر فحرب السلاح قد تؤجل رائحة الدماء لكن لن تمنعها من الانتشار لاحقاً!.. متى سيتم فتح ملفات وأضابير العنف بشكل كامل دون مهادنة أو مجاملة لتّيار أو طائفة؟ فالوطن يخسر بهذه المجاملات التي تسكّن الألم لكنها لا تزيل الصديد.. وأسئلة أخرى عديدة نتمنى أن نجد لها من يسمح بمناقشتها وظهورها بشكل واسع، فالمرحلة لا تحتمل تأجيل المحاور المهمة وظهور الجماعات المتطرفة في هذا الوقت الحرج والحساس ينذر بأن أطرافاً أخرى قد تستفيد من هذه اللعبة الخطرة وربما تتحول المنطقة إلى بركان يقظ دائم الحِمَم! حفظ الله الوطن وأهله من كل مكروه!