بمزاج محايد، فجأةً، قفزت قصيدة محمود درويش التي يقول فيها «يحبونني ميتاً ليقولوا لقد كان منا، وكان لنا». هكذا تمثّلتها على لسان الراحل البحريني عبدالله خليفة بينما كنت أتابع في الصفوف الخلفية حفل تكريمه الذي نظّمه مركز عبدالرحمن كانو الثقافي بالمنامة بمشاركة أسرة الأدباء والكتّاب وبرعاية صحيفة أخبار الخليج مساء الثلاثاء الماضي. فضمن برنامج طويل امتدّ أكثر من ساعتين اشتمل على كلمات وخطابات وشهادات ومقالات وأفلام وشعر ونقد، لم يكتف الجميع -رغم تأكيدهم على اختلافهم معه- بمحاولة ادّعاء فهم الرجل، بل تجاوزوا ذلك لاختطافه ناحية أيديولوجياتهم حتى آخر سطر في حياته، فهو اليساري واليميني، التقدمي والرجعي، الماركسي والشيوعي، المناضل والمهادن، الإنساني المنتمي واللا منتمي معاً. لا أعرف كيف حاول المكرِّمون أن يشدّوه وكأنه رغيف ساخن إلى تنانيرهم، لكنهم فعلوا ذلك، ووضعوه في البرواز المتناسب مع الصورة النمطية للمثقف الخليجي. الوجوه التي حضرت التكريم كان ينقصها كثير من إعادة تنشيط الذاكرة ليقفوا بوضوح أمام اختلاف مواقف عبدالله خليفة حيال الربيع العربي، بحيث لا يمكن الجزم بأيديولوجيته في الملفات الساخنة، وتحالفاتها الآنية والمستقبلية، سواء مع التنظيمات اليسارية أو اليمينية. وأعتقد أنه لا يمكن بحال من الأحوال اختصار موقفه «العربي» في حكاية نكبة اليساريين الإيرانيين بعد انتصار الثورة هناك. برغم غياب أصدقاء كثيرين لخليفة -ليلتها- غير أن الموجودين «كفّوا ووفّوا»، واستطاعوا أن يجدولوه بجدارة ضمن الحالة الثقافية المتعايشة مع السياسي دون أي مناكفات ثورية، خصوصاً تلك المناكفات التي أفرزها الاستعمار، ثم أفرزها الربيع العربي. انتهى التكريم وأخذت الصور التذكارية، وانفضّ الجمع، وبقي عبدالله خليفة الإنسان لوحده مختطفاً بين دم القبائل الثقافية والسياسية.