في ظل الكم الهائل من الأخبار والمعلومات التي تتيحها الشبكة العنكبوتية، أجد نفسيَ في أحيان كثيرة في مفترق طرق كلها تؤدي إلى المجهول، والسبب أن أغلب تلك الأخبار والمعلومات لا تخلو من المغالطات وتزييف الحقائق، ورغم ذلك نجد من يروّج لها بل ويحاول تأكيدها من بعض المحسوبين على الحراك الفكري والثقافي في المملكة. ومع الأسف أن مجرد تغريدة من بعض أولئك المحسوبين قد تصبح لدى كثيرين من متابعيهم أشبه بمصدر موثوق حتى لو كانت تلك التغريدة تخالف كل معطيات الواقع والمنطق! أقول هذا بعد أن قرأت في سلسلة ما قرأت عن التهافت الكبير الذي تُسوقه بعض الأقلام المأجورة عن التحول الهائل في مفهوم التحالفات السياسية بين الأعداء دون وجود الحد الأدنى من المنطقية لإثارة مثل هذه الاحتمالات والفرضيات البعيدة تماماً عن أرض الواقع لعدة اعتبارات. أهمها أن العدو لن يجني من تحالفه مع عدوه إلا خسارة مضاعفة من رصيده الشعبي حتى لو حقق مكاسب وقتية تقتضيها أصول اللعبة السياسية، فالمعادلة هنا تبدو غير منسجمة على الإطلاق مع ما يفترض أن تكون عليه دول من الممكن أن نصفها بالراشدة أي التي لا تحركها ردود الأفعال على ارتكاب حماقات سياسية من هذا النوع الذي ينسف كل تاريخها وإنجازاتها ويعرض وحدتها الوطنية إلى انقسامات تهدد هويتها التي تأسست على مدى عقود من الصبر والتأني!. الأمر لا يقف عند حد الاستغراب من مثل هذه الخزعبلات والافتراءات كوسيلة عادة ما يلجأ لها ما اصطلح على تسميتهم «بالطابور الخامس» بل امتد إلى من يدَّعون بأنهم من النخب الواعية والمتمرسة على قراءة الواقع بناء على المعطيات التي لا تلاحظها العامة!. أحدهم وصلت به استنتاجاته الخزعبلية إلى أن الاتفاق الأمريكي- الإيراني الغامض سيؤدي إلى تحالفات غير عقلانية ستدفع المنطقة بأسرها إلى هاوية الفرقة والتشرذم وهو بذلك يفترض أن المملكة تمهد لتحالف متوقع مع العدو الصهيوني ودافعه لهذا الاستنتاج هو رغبة أمريكا بتحجيم الدور السعودي في المنطقة! والسبب الآخر كما تزعم الروايات أن الإمارات الشقيقة وجدت نفسها تردد بيت المتنبي الشهير (ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً ما من صداقته بُدّ). هنا يقف المرء احتراماً لعقله عن قراءة مثل هذه الترّهات التي تغذيها أحقاد طائفية وحزبية كرَّست جهودها طوال السنوات الماضية لرصد أي كبوة سياسية لدول الخليج بشكل عام والسعودية على وجه الخصوص إلا أن دول الخليج اعتادت على مثل هذه الافتراءات من خارج محيطها الجغرافي ولم تتخذ إزاءها أي ردة فعل غاضبة لأنها لا تريد أن تحمِّل شعوب الدول الشقيقة وزر سياسة حكوماتها المستبدة التي تبني علاقاتها مع الدول وفقاً للتوافق الأيديولوجي والعقدي، فدول الخليج اتخذت من التسامح والعطاء منهجاً تسير عليه خاصة مع شعوب تتقاسم معها وحدة الدين واللغة والتاريخ المشترك فلا غرابة أن تتعامل مع مستجدات الساحة بحكمة وصبر بحثاً عن إزالة كل ما يوتر علاقة الأخ بأخيه. لكن أن تنهال الافتراءات والاتهامات الباطلة من داخل محيطها الجغرافي من أناس عُرف عنهم ولاؤهم وانتماؤهم الحزبي لجماعتهم وتجد تلك الافتراءات رواجاً على ألسنة البلهاء من أبناء المنطقة وكأنها واقع على وشك أن يُفرض في القريب العاجل! فهذا والله يثير في النفس مواجع مؤلمة ليس لأنه قد ينتج عنها ما يعكر صفو استقرار المنطقة بل لأنه من المؤلم أن يوجد بيننا من هو مستعد أن يبيع وطنه مقابل انتصار حزبه وجماعته!. لا جديد إن قلنا إن من اخترع مثل هذه الهرطقات هي أقلام مأجورة تبحث عن مكاسب شخصية إلا أن الجديد هو أن تنساق خلفها عقول تصدرت المشهد الثقافي والاجتماعي في زمن ثورة وسائل الإعلام الجديد وهو ما يوضح بدون شك أننا نعيش أزمة مصداقية في العالم العربي ككل ومع الأسف أن تكون حتى على مستوى من يدَّعون بأنهم من النخب الواعية!.