نفت وزارة المالية منذ نحو ثلاثة أيام المعلومات المتداولة في أوساط المجتمع حول نيتها بتخفيض رواتب موظفي الدولة وذلك لوقف تلك الأقاويل وما صاحبها من لغط في وسائل التواصل الاجتماعي وفي حديث المجالس، وهو ما طمن روع كثيرين من موظفي القطاع العام. وعلى الرغم من نفي وزارة المالية إلا أن هناك من يحاول أن يروج لهذه الشائعة مرة أخرى وبشكل آخر من خلال الحديث أنه لا دخان بدون نار، وكأن هناك نية مبيتة للخفض على الرغم من النفي. وهناك من يجتهد ليقنعك بهذه المعلومة الساذجة التي هي في الأصل غير موجودة، ويفسرون ذلك بأن الرواتب في الدولة لم تشهد زيادة إلا منذ عدة أعوام بسيطة بعد ارتفاع تكاليف المعيشة وإضافة بدل 15% التي أقرتها وزارة المالية لمواجهة تكاليف المعيشة، وأنه في حال انخفضت تكاليف المعيشة فيمكن التراجع عن هذه الزيادة، على الرغم من أنها أصبحت ثابتة في سلم الرواتب ولم تعد بدلا. المتتبع لسياسة الدولة المالية يجد أن الباب الأول وهو البند الخاص بالمرتبات والبدلات والأجور والمكافآت، من البنود التي لم تمسها الترشيدات في الإنفاق في أحلك وأسوأ الظروف التي مرت بها الميزانية، إذا استثنينا موضوع البدلات وما شابهها من الزيادات غير الأساسية في سلم الرواتب، فيوم أن انهارت أسعار البترول في عام 1986 من 27 دولارا إلى ما دون 10 دولارات، وتحملت الدولة مديونية كبيرة في سبيل الوفاء بالتزاماتها المالية، لم يتم تخفيض الرواتب ولم تمس بأي شكل من الأشكال. والموضوع لم يكن يحتاج إلى نفي من وزارة المالية لأن هذا الكلام ضرب من الخيال وينطبق عليه المثل القائل «مجنون يتكلم وعاقل يستمع»، فلم يمض حتى الآن سوى شهور على تراجع أسعار النفط والدولة أعلنت عن ميزانية ضخمة يفوق فيها الإنفاق المتوقع عما أقرته في السنة الماضية، فهل يكون أول الحلول هو تخفيض الرواتب، وهل استنفدت بقية الحلول الأخرى، ولم يعد هناك سوى هذا الحل؟ وعلى افتراض أن أسعار النفط تدهورت في المستقبل، لا سمح الله، إلى أن تصل إلى مستويات لا تستطيع الإيرادات النفطية لخزينة الدولة بأن توفي بالتزامات الباب الأول في الميزانية، فهل سيتم تخفيض المرتبات، بالطبع إن ذلك لن يحدث، فالدولة لديها إمكانية سد العجز من الاحتياطيات المالية التي رحلتها من فوائض الأعوام الماضية، بالإضافة إلى الموارد الأخرى التي لم تستغل حتى الآن، ولديها إمكانية فرض الرسوم على الخدمات التي تقدمها بالمجان كآخر الحلول التي يمكن أن تلجأ إليها. لعل هذه الشائعة التي سرت بهذه السرعة تعيد لنا التفكير في مدى تحصن المجتمع السعودي من الشائعات التي تسري في حديث المجالس، ومدى تقبله للمعلومات أيا كان مصدرها ونوعها، وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر الإخباريات السخيفة والساذجة في الرأي العام. وأن تشعرنا بالقلق والخوف من مدى هشاشة الرأي العام وتأثره عند تعرضه للإشاعات التي يطلقها المرجفون في وسائل التواصل الاجتماعي وفي المجالس، وأن تستغل هذه الهشاشة في إثارة البلبلة واستثمارها في النيل من الثوابت الوطنية ومن وحدة بلادنا واستقرارها.