يقول أحد المفكرين إنّ الدعوات الناجحة لابد أن تكون مخططة، شأنها في ذلك شأن البناء الذي لابد أن تسبقه هندسة بمقاييس محددة ومواصفات معينة. وكما هو معلوم، فإنّه لايمكن لأي بناء أن يستقيم وتقوم له أسس وقواعد راسخة دون أن يستند إلى تخطيط هندسي يسبق وضع اللبنات على الأرض. إن الناظر والمتأمل في كثير من مؤسساتنا، يدرك أنها تحتاج إلى هندسة دقيقة، بدء بهياكلها الإدارية ،وانتهاء بوظائفها المختلفة. بالنسبة للهياكل الإدارية للمؤسسات الاحترافية، فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول الإدارة العليا (القيادية) التي تقوم بوضع الرؤية والرسالة والخطط ، والثاني الإدارة التنفذية التي تقوم بتنفيذ الخطط ، فيما يختص القسم الثالث بالإدارة الاستشارية، وهي بمثابة الهيئة الاستشارية التي تقوم بتقييم الخطط وتقويمها وتقديم بدائل واستشارات للإدارة القيادية، ومتابعة الإدارة التنفيذية وسير عملها وفق الخطط الموضوعة، وتقديم التغذية الراجعة لها. هذه هي الإدارة الأساسية، أما بالنسبة للوظائف، فهي توضع بعد دراسة شاملة، وتوصيف دقيق لكل وظيفة، مع الاهتمام بالكيف وليس الكم، بدلاً من وضع المسميات الشكلية للوظائف التي تتبعها بعض المؤسسات، إما تقليداً أو إظهاراً لتنظيمها وتوزيعها للمهام، ولكن عندما تسأل أحدهم على سبيل المثال عن القسم الذي يعمل فيه؟ يقول لك إنه في قسم العلاقات العامة والإعلام، فتقول ما أبرز مهامك؟ فيذكر لك أمور لا تمت إلى العلاقات العامة والإعلام بأي صلة! والأمثلة على ذلك كثيرة. إنّ الهياكل الإدارية في مؤسساتنا تحتاج إلى هندسة، ووظائفها تحتاج إلى هندسة وتقنين، ومهامها تحتاج إلى هندسة. أختم مقالي بمثال من السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، فقد كان يوزع المهام بين الصحابة رضوان عليهم، ويصف لهم ما يجب فعله، حتى لاتختلط عليهم الأمور. ولنضرب مثالاً، فإنّه عندما أرسل صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير رضي الله عنه لدعوة أهل يثرب إلى الإسلام، حدد له مهاماً يقوم بها، وكان عليه الصلاة والسلام يمكث في مكة ويتابع مصعباً رضي الله في مهمته، يريد أن يعرف مدى نجاحه في المهام التي أوكلت إليه، والأخبار التي سينقلها، ودورها في انطلاق الإسلام.