رفع بصره إلى السماء من فوق مكتبه المكتظ بالأوراق يدعو الرب الكريم أن يمنَّ عليه بالتقاعد من عمله ليُريح جسده وفكره الذي كان يعمل على مدار 30 عاماً ليتفرغ لمجالسة زوجته الحبيبة التي من المؤكد في هذا الوقت ترتشف قهوة الصباح وسط هدوء خيّم على المكان بعدما أصبح الكل في حالة من الدوران خارج المنزل. بينما الحال لايعجب تلك السيدة وفي أثناء مجالستها لبرنامج صباحي يُهيأ لها أنها تتابعه وهي في الحقيقة شاردة الذهن تُعيد النظر في أمرها متحسفة على وقتها الذي سُجن خلف قضبان بيتها وهي ترسم على تلك الجدران أحلاماً عريضة كعرض السماء والأرض ويتم أمر الرجل وقد خُتمت أوراقه للتقاعد فيطير فرحاً من حرية منحت له ليعشعش داخل قفص بيته راحة ودفئاً وأقل ضجيجاً من الخارج فقد خرج من عنق زجاجة الدوام كل صباح وأوامر ربّ العمل ومتطلبات المراجعين وها هو يمضي اليوم واليومين وهو يحتضن فراغه بعنفوان المنتصر ولم يعلم ماوراء الأفق، لترحل تلك السيدة متأنقة كل صباح متوشحة برائحة عطر يسرق الروح إلى المكان تستعرض بذلك أناقتها لزميلات العمل في منافسة وحرب ضروس كل يوم تشعلل غيرتها وتعيد لها أنوثتها المفقودة فقد خرجت من عنق زجاجة الفراغ ورائحة البصل وحيطان مملكتها المميتة. ولم يخطر ببالها بأن ذلك السلاح الذي قتلت فيه رفيقاتها أن يقتلها ذات يوم وبذات السلاح، فرائحة عطرها هي من أججت غريزة زوجها الصباحية لتتركه وتبدأ منافستها الخبيثة معهن بعدما تزوج بأخرى ويدخل عالم صراعات الزوجات ومصارعة الأبناء لينتهي به المطاف أن يتمنى الخروج من عنق الزواج بالكلية والهروب للعزوبية بعد أن تسلل الملل لحياته وهو يرى كُلاً في فلكه يسبح كل نهار. عرفت الزوجة بأنها غرست سكيناً في صدرها بعدما تركت زوجها لأخرى وتيقنت كما يُخيل إليها بأن المرأة العاملة مطمع للرجل لأنه صرف جُل ماله على الزوجة الأخرى بحجة أن الأولى موظفة. لتتمنى أن تخرج من تلك الدوامة وعنق الزجاجة لتريح أقدامها على كرسي مساج وتستظل من شمس حارقة للقلوب قبل الجلود وهكذا هي الدنيا ما بين دخول وخروج من عنق زجاجات الحياة ولا يستقيم الأمر حتى نفعل ذلك وتبقى مقولة السعادة هي السعي إلى اللا موجود وليس الاستماع بالموجود في تذبذب عند فوهة عنق الزجاجة.