قد يعتقد من هو خارج «المجتمع الأكاديمي»، أن عالم الأكاديميين هو أكثرها مثالية كون هذا المجتمع يضم من يفترض أن يكونوا كوكبة من صفوة ونخبة المجتمع فكراً وعلماً وتواضعاً. وما إن تقترب من هذا المجتمع كطالب أو كأكاديمي أو كمراقب من بعيد، حتى تكتشف أنه أكثرها حزبية، وشللية، وطفولية، ومحسوبية، ولك أن تزيد من عندك على ما ذكرت. ولأنني عشت مرحلة كان فيها جيل من «الدكاترة» يرى كثير منهم نفسه أنه أعظم من يمشي على هذه المعمورة، ويخيل لك أنه السعودي الوحيد الحاصل على دكتوراة، كونه لا يكاد ينهي جملة دون أن يشير إلى أنه «دكتور» فضلاً عن النظرة الفوقية للمجتمع والغطرسة والتصنع الكبير في التعامل. ومع وجود برنامج الابتعاث وما يزيد عن 150 ألف طالب وطالبة في الخارج، كانت الفرصة أكبر في محاكاة «مجتمع الأكاديميين» هناك والتخلص من «العقد النفسية» التي لدينا من الجيل السابق، حيث إن هناك التواضع والبساطة والرقي في التعامل. إلا أنه ومع الأسف وبرغم كل هذا الانفتاح الثقافي، تكتشف أن كثيرا من الجيل الحالي لا يحمل هذه السمات، وما زال محتفظا بسمات الجيل السابق كما لو كانت ثقافة يتوارثها الأكاديميون مثلما يورثون ويحتكرون الوظائف. أضف إلى ذلك الهوس الكبير بالألقاب البراقة واللماعة (الخبير، المستشار). وما نراه مؤخراً يتجاوز ذلك بالتطفل على التخصص، فتجده يوماً يقدم نفسه كمتخصص اجتماعي، ومن ثم كخبير مالي، وبعدها كعالم سياسي وربما مستقبلاً كمستشار صحي!! كل ما ذكر يتعلق بمجتمع أكاديمي قائم بيننا في كثير من المواقع دون أن يكون ذلك محدداً لجهة معينة. وكل هذا ليس له علاقة بالشهادات المزورة والوهمية والمقدرة بأكثر من 50 ألف شهادة في السنوات ال 5 الأخيرة والمرتبطة بالشعور بالنقص وهوس الألقاب التي تسيطر على المجتمع ككل لا الأكاديميين فقط. لاشك أن المجتمع الأكاديمي مليء بالكوادر والكفاءات الوطنية المميزة التي نفخر بها مثل غيره من مجالات العمل، ولكن ما يحدث فيه هو ظاهرة سلبية. وبقاؤها حتى الآن لا يصنف كصداع ويزول، وإنما سرطان ينتشر ويتوسع.