يبدو أن الغائب المشترك بين الشيعة والسنة، ليس هو «المهدي» المنتظر فقط، الذي سيأتي في آخر الزمان ويقيم العدل ويوحد كلمة المسلمين، بل إن «الحوار» هو الآخر غائب بشدة بين رموز وأتباع المذاهب الإسلامية، خاصة على ضفتي الخليج العربي. تصريحات رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران هاشمي رفسنجاني -التي تناقلتها عديد من وسائل الإعلام- جاءت جريئة ومباشرة وتحمل جرعة مكثفة من المصارحة والمكاشفة في نقد الذات على طريق التأسيس لبناء أرضية صلبة للحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية، لطالما انتظرها العقلاء. رفسنجاني في تصريحاته، انتقد بشدة شتم الصحابة رضوان الله عليهم، واحتفال بعض الطوائف الشيعية بمقتل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عاداً تلك السلوكيات بأنها السبب الذي أدى إلى نشوء التطرف السُّنِّي وظهور «القاعدة» و«داعش»! هنا، لا بُدَّ من مبادرة رموز التيار السُّنِّي بالتقاط تصريحات رفسنجاني والتأسيس عليها لتشييد جسر للحوار يتم من خلاله ردم الهوة بين أتباع المذاهب السنية والشيعية، ووضع نهاية للخلاف الذي يستفيد منه الأعداء. إن مواجهة التطرف مسألة جوهرية، وما حدث في سنوات الخريف العربي العجاف، أكبر دلالة على ضرورة مراجعة كل طرف أخطاءه، فنحن أهل السنة، أكثر من اكتوينا بالفكر المتشدد الظلامي التكفيري، سواء في ليبيا أو اليمن أو العراق أو سوريا، فسفكت الدماء، وهتكت الأعراض، وسبيت النساء، ودمرت المنشآت تحت صيحات الله أكبر! فالمسلم الذي ينتمي إلى تنظيم «الإخوان» الجماعة الإرهابية المحظورة في مصر، الذي استطاع أن يقنع فتاة في عمر الورد بأن تحمل قنبلة «مولوتوف» وأن تخفيها في ملابسها أو شنطة يدها لتدخلها خفية إلى الحرم الجامعي في الإسكندرية، لاستخدامها في أعمال شغب وعنف ضد زملائها من التيارات الأخرى، هو ذات المسلم الذي أقنع فتاة أخرى بترك مقعدها الجامعي في تخصص الهندسة أو الطب أو الصيدلة أو الكيمياء أو الفيزياء لتذهب وتمارس جهاد النكاح مع مقاتلي «داعش». ومن المنظور نفسه، فإن الفضائية التي تصر على خداع مشاهديها وتصوير هذه الأفعال الإجرامية التي يقوم بها أعضاء الجماعة الإرهابية المحظورة في مصر انتصاراً لما تسميه «الشرعية ضد الانقلاب العسكري»، قادرة أيضاً على أن تخدع متابعيها وأن تصور لهم أن ما يقوم به مقاتلو «داعش» من هتك للأعراض وسبي للنساء وقطع للرؤوس وهدم وتكسير للتماثيل الثقافية والتاريخية هو جهاد في سبيل الله! وعلى ذات المنوال، فإن من سولت لهم أنفسهم ارتكاب جريمة الدالوة الإرهابية الجبانة في الأحساء، هم أيضاً من مخرجات التطرف والشحن العكسي لقيم التسامح والإخاء والمواطنة، والفهم العميق لمعنى استخلاف الله الإنسان في الأرض لعمارتها لا لسفك الدماء فيها. والحمد لله أن هذه الجريمة النكراء قد تم وأدها وشنق فاعليها على مشجب الوحدة الوطنية، حتى قبل الإيقاع بهم كالفئران في المصيدة. لا شكَّ أن الدين بريءٌ من تلك الجرائم، وممن يغذونها بالتمويل والفتاوى المضللة، لكنَّ إعلان ذلك لا يكفي، بل لا بدَّ من خطواتٍ شجاعة يقودها قادة وسياسيون ومفكرون ورجال إعلام ودين للتصدي لذلك بشكل قاطع، من خلال استدعاء الحوار الغائب، قبل ظهور المهدي المنتظر.