عندما أسقطوا نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في 2011، كان الليبيون يأملون أن تصبح بلادهم الغنية بالنفط بمنزلة دبي جديدة. أما اليوم فإن هاجس سيناريو صومالي أو عراقي بات يسيطر عليهم. ففي 23 أكتوبر 2011 أي بعد 3 أيام على مقتل القذافي الذي اعتقل ثم أعدم على أيدي ثوار قرب سرت (وسط) مسقط رأسه، أعلنت السلطات الانتقالية «التحرير التام» لليبيا من بنغازي (شرق) ثاني مدن البلاد ومهد الانتفاضة بعد 8 أشهر من الصراع. وبعد 3 أعوام، تشهد البلاد مزيداً من الفلتان الأمني والفوضى. لذلك لم يتم الإعلان حتى الآن عن أي برنامج احتفالات رسمي لإحياء هذه الذكرى. وخلت العاصمة طرابلسوبنغازي من أي مظاهر احتفالية، بل لا يسمع في بنغازي سوى أزيز الرصاص ودوي الانفجارات في مواجهات يومية دامية بين القوات الموالية للحكومة والميليشيات المتنافسة. وقال الخبير العسكري سليمان البرعصي «نتيجة لهذا الفلتان الذي عقب انتفاضة 17 فبراير 2011 قُتل عدد من الليبيين يكاد يماثل عددهم الذين قُتلوا من أجل التخلص من حكم القذافي الدكتاتوري الذي دام أكثر من 42 عاماً». ووفقاً لهذا الضابط السابق فإن «ما غذى هذا العنف في البلد هو إمكانية إفلات المجرمين من العقاب أمام السلطات الهشة أصلاً». وبعد سقوط القذافي ونظامه الأمني، كلفت السلطات الانتقالية الثوار السابقين بضمان الأمن. وشكل هؤلاء عشرات الميليشيات على أسس عقائدية أو قبلية، ولم يترددوا في تحدي الدولة عندما تهددت مصالحهم، ما هدد السلم الأهلي وعملية بناء المؤسسات في البلاد، خصوصاً الجيش والشرطة. وتعتبر بنغازي الأكثر اضطراباً، بينما تبدو السلطات من جهتها عاجزة حتى الآن أمام تنامي قوة الجماعات المتطرفة، خاصة في شرق البلاد، الذي كان يشكل مسرحاً لاغتيالات عناصر أمنية واعتداءات على مصالح وممثليات دبلوماسية غربية ومحلية. وسقطت هذه المدينة التي هجرتها البعثات الدبلوماسية منذ مدة، في يوليو بأيدي ميليشيات إسلامية، بينها متشددون في جماعة أنصار الشريعة، بعد أن نجحوا في طرد القوات الموالية للحكومة منها. وقُتل نحو 100 شخص على مدى أيام الأسبوع الماضي في الحملة التي بدأها الأربعاء اللواء المتقاعد المثير للجدل خليفة حفتر، في محاولة جديدة لاستعادة المدينة. وأمام ضعف الحكومة الانتقالية، شن اللواء حفتر الذي شارك في الثورة على القذافي، هجوماً في مايو على الميليشيات الإسلامية، متهماً إياها ب «الإرهاب»، واتهمته السلطات الانتقالية حينها بمحاولة «انقلاب»، لكنها غيرت موقفها، لاسيما بعد أن نال تأييد عدة وحدات من الجيش ومواطنين. وبموازاة ذلك، تفرض مجموعة من الميليشيات، خصوصاً الإسلامية منها، المنحدرة أغلبها من مدينة مصراتة، سيطرتها على العاصمة منذ أغسطس الماضي، ما اضطر حكومة عبدالله الثني والبرلمان اللذين تعترف بهما الأسرة الدولية إلى الانتقال إلى أقصى الشرق الليبي الخاضع لسيطرة قوات حفتر، وسط منازعات سياسية وغياب خارطة طريق واضحة زادت من تسميم الوضع. ويتخذ مجلس النواب الذي تعترف به المجموعة الدولية ويهيمن عليه النواب الرافضون للتيارات الإسلامية، من طبرق في أقصى شرق ليبيا مقراً له، معتبراً أنه من المتعذر توفير بيئة آمنة في بنغازي معقل المجموعات الجهادية، التي تشهد أعمال عنف يومية.