أثار قرار محكمة الاستئناف في مكةالمكرمة نقض حكم قاضي المحكمة العامَّة بفسخ نكاح مدعية ضد زوجها تتهمه بأنه مريض نفسي وعقلي، ويتبول على فراشه، ويشرب بوله، ويشعل النيران في منزله دون وعي، ويعاني من برود جنسي؛ جدلاً بين أوساط ثقافيَّة واجتماعيَّة وقضائيَّة حول غرائبيَّة القضايا المتداولة، وغرائبيَّة بعض الأحكام الصادرة من بعض القضاة. وكشف مصدر قضائي مختص أنَّ القضاة يتعاطون مع القضايا المنظورة بروح العصر، مؤكداً حرص المحكمة على مطالبة الزوجة المدعية باستصدار تقارير صحِّية توضح حالة الزوجين قبل التقاضي، معتمدة من جهات طبيَّة مختصَّة، لافتاً إلى أنَّ القاضي لا يتحرك بعاطفته، بل وفق ما يقدم المتقاضون من بيّنات وقرائن، إضافة إلى أنَّه لا يُعطي الناس بدعاواهم كما تُقرر ذلك القواعد القضائيِّة، وإلا استُبيحت دماء وأموال أبرياء. وكشفت السيدة (ف، أ) أنَّ أحدَ القضاةِ المشهودُ لهم بالكفاءة نجح في إعادة العلاقة الزوجيَّة مع زوجها بعد قطيعة دامت عامين، إثر خلاف تسبب فيه والدها، ومنعها من العودة إلى بيت زوجها، ما دفع الزوج للتقدم بشكوى للمحكمة، وفي يوم الجلسة استشعر القاضي تعنُّت الأب، فأفهم الزوج والزوجة أنَّه سيخرج مع والد الزوجة لأداء صلاة الظهر، ويغلق عليهما باب المكتب بالمفتاح، ويتيح لهما فرصة التفاهم والتصالح خلال ساعة زمن، ولفتهما إلى باب خلفي يُفضي إلى مواقف السيارات، فيما لو أحبا المغادرة، موضحة أنَّ فكرة القاضي في انفرادها بزوجها بعيداً عن أعين أبيها أذاب جليد الخلاف، وغادرت مع الزوج إلى منزله، فيما تولى القاضي إقناع والد الزوجة بخطئه وتعسفه، ومرر له خطورة ما وقع فيه من تفريق زوجين محبين لبعضهما، من خلال منهجية الترغيب والترهيب، وأفهمه أنَّ ابنته غادرت المحكمة مع زوجها، وتوعَّده بالعقاب في حال تدخّله في شؤونهما، أو تتبع تفاصيل يومياتهما، مثمنة للقاضي حسن تصرفه وسعة أفقه ورحابة صدره وإدراكه لفقه الواقع. من جانبه، رفض قاضي المحكمة الجزائيَّة في مكةالمكرمة، الدكتور محمد حجر الظافري، وصف الأحكام القضائيَّة بالغرائبيَّة في ظل غرابة بعض القضايا، كون الأحكام تعتمد على نصوص الشريعة مرجعاً ومآلاً، واصفاً القاضي ب(الوزان) المعني بتأمل ما يقدمه كل أطراف التقاضي من بينات ودفوعات بصرف النظر عن جنس المتقاضي، وكونه رجلاً أو امرأة، موضحاً أنه لا يتعاطف مع المرأة لكونها أنثى، بل يتعاطف مع ما يراه من حقائق، وما يسمعه من أدلة، لافتاً إلى أنَّ كثيراً من قضايا الخلافات الزوجيَّة سببها تدخل الأهل والأقارب بين الزوجين، ما يوسِّع هوُّة الخلاف والشقاق، مستعيداً قضيَّة نظرها كانت الزوجة تترافع وكالة عن زوجها، مؤكداً حرص القضاة على عدم التسرع في البت في قضايا الطلاق والخلع، كون قضاياها تُبنى على ردود أفعال عاطفية ومتسرعة، ما يدفع العلاقة الزوجيَّة مع سرعة الحكم إلى التأزُّم، مشيراً إلى أنَّ الشريعة الإسلاميَّة كفلت للمرأة حق الخلع حين تكره صورة الزوج الظاهرة، أو الباطنة متمثلة في أخلاقه، شرط أن تُعيد له المهر الذي أمهرها إياه، وتفتدي نفسها منه، مبدياً دهشته من بعض الزوجات حين يطالبن بالخلع، ولا يُردن تعويض الزوج بشيء من مهره، ومن طمع بعض الأزواج وإصرارهم على تحصيل كل المهر المسمَّى برغم ما بينه وبين الزوجة من عشرة وفضل متجاهلين قوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم)، مضيفاً أنَّ كل مؤسسات الدولة السعودية وأجهزتها تتعاطى مع المرأة باعتبارها مواطنة كاملة الأهليَّة، دون انتقاص لها، أو النظر لها كدون.