أن تكون مُربياً في الزمن الصعب، فتلك مهمة جندي بسلاحٍ من فرح!! سلاح تواجه بهِ كل جيوش الخوف والحزن والخديعة، ورداءة فوّارة من كل زوايا الحياة. هي أن تكون شاهداً أميناً لحَكايات سوداء. تضطر لأن تكتبها لأطفالك بأقلامٍ مُلوّنة، لئلا يظنوا أن حياتهم فيلم كرتون آخر في عالمٍ من الجمال، كما لا تسمح لقراصنة الفرح أن تسرق من أرواحهم بوصلة الأمل. لذلك أنت اليوم هذا الجندي الذي يُقاتل في معركة لا حدود لأرضها. ولا صورة واحدة للأعداء فيها. فقد يلتبس عليك العدو من الصديق، كما تلتبس عليك ذاتك من ذواتهم. حُلمك من حُلمهم. قد يستفيق في ذاتك تاريخ من السفسطة. لتُدخلك في جدلها اللامنتهي: كل هذا الوقت الذي تمضيه في عملك. هل أنت تُحقق فيه طموحك، أم إنك تُخلص فيه لعملك، أم للقمة العيش الكريم لهم؟ حلمك الذي مازلت تبنيه هل يسرقك منهم، أم إنك تكتنز فيه عمرك لحين احتطاب أيامهم؟ كلما أمعنت في أبوتك/ أمومتك ستحتاج لأن تمتلك موسوعة تروي عطش السؤال في طفولتهم، وأن تكون ذلك المؤمن الذي ينشد الحكمة دائماً ضالّة أبدية. التربية كترويض مستمر على طريق الحكمة، هي عبارة عن تمرين عصبي يومي تختبر بهِ ذاتك، تُعيد اكتشافها دائما كلما ظننت أنك عرفتها.. وهي فرصة جديدة لأن تعيش طفولة أخرى لتلعب من جديد، وتشتري لهم ما كنت تحلم به من ألعاب وهدايا وقطع حلوى، فتملأ ما بطفولتك من فراغ بطفولتهم، فتحترف أكثر من دور على مسرح أبوتك/ أمومتك.. لذلك نحن ننصدم في اللحظة التي نُدرك فيها بأنهم كبروا، وأنه لم يعد بإمكاننا أن نروي لهم ما أحببنا من قصص طفولتنا، فقد حان وقت روايتهم. التربية هي أن تحاول كل يوم أن تقف على إبرة التوازن، وحين يجيء المساء تكتشف أن 24 ساعة لا تكفي لترميم ماضيك، ولحفظ لحظتك من التلف، لأنك تسعى لبناء صلب لا ينكسر، لتُحب نفسك أكثر لأجلهم، لتبقى جميلاً في عيونهم. لذلك سنجد في مكان عميق من الروح أن أمهاتنا وآباءنا جذور تربطنا بتراب الحياة، حتى إذا ما فقدنا أحدهم شعرنا بهزالة وجودنا فيها، وبأن شيئا ما يُقربنا من العدم. فلا يُنجينا من ذلك الشعور سوى أبنائنا حين يعطون لبقائنا جدوى، فيغدو تمسكنا بتراب الحياة أقوى، وأنه ما زال أمامنا بعض الوقت، لنصل فيه إلى تلك السعادة المؤجلة.