في عام 2009م، خاضت المملكة على حدودها الجنوبية حرباً لم تكن سهلة مع جماعة الحوثيين الذين كانوا هم البادئين بالحرب. وكان الكثيرون -وأنا أحدهم- يستغربون كيف أنها لم تكن حرباً خاطفة من جانب المملكة. ولكن بعد سقوط صنعاء الأخير في يد ميليشيات الحوثيين، باتت الصورة واضحة للجميع بأنهم جماعة تمتلك تجهيزا جيدا وتخطيطا مقتدرا. واستطاعت أن تكون كسهم متصاعد منذ عشر سنوات تقريباً. لقد ظن كثيرون أن حرب الحوثيين مع المملكة كانت مقامرة وفشلت، وأنها هي النهاية لهذه الجماعة بعد أن كانت مطاردة من الحكومة اليمنية منذ عام 2004م، لكن المفاجأة أنها منذ تلك الهزيمة أمام المملكة انكفأت في منطقة صعدة لتزداد قوة وعتاداً. وطبعاً كان لإيران دعم أشارت له كثير من التقارير الصحفية. ونالت الجماعة ما أرادت بأن احتلت عاصمة اليمن مؤخراً، واحتلت معه الفضاء السياسي اليمني، وأجبرت الحكومة على الرضوخ لطلباتها التي منها إخراج إيرانيين ولبنانيين مسجونين بتهم التجسس وتهريب السلاح في قضية ناقلة الأسلحة جيهان الشهيرة، مقابل التوقيع على الملحق الأمني للتسوية السلمية مع الرئاسة اليمنية. وهكذا يبدو أن جماعة الحوثي، قادمة لتكون هي صانعة القرار السياسي الأوحد في اليمن، إلا إذا كان هناك تدارك داخلي ودولي بالذات الإقليمي منه، لما فات أو أن الخسائر ستكون فادحة في الزمن القريب قبل البعيد على كل دول المنطقة. إن مشكلات اليمن كثيرة وعويصة وتحتاج لحلول جذرية وطويلة الأمد. فاليمن بلد يعد من بين أفقر أربعين دولة في العالم. وعانى أهله من حروب عسكرية، إضافة إلى حروبه الطويلة الباردة مع الجهل والفقر والمرض. وبعد أن هبت عليه رياح الربيع العربي ظهرت كل أمراضه على السطح. وزاد تقرح جراحه بالأنانية السياسية بالذات من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي لم يعتبر من محاولة اغتياله والحروق التي على جسده من أثرها، بل استمر مدمناً على العودة إلى دفة السلطة من جديد. وهذا بالطبع عسر عملية إيجاد مخرج سلمي لاستقرار اليمن. وكالعادة حالة التشظي والضعف وغياب الدولة بمؤسساتها على ترجمة قوتها في أرض الواقع، هي البيئة المثالية لنمو فيروس «الإرهاب». فنما إرهاب جماعة الحوثي بعد أن خبا نجم القاعدة وضمرت قوتها بعد التحالف الدولي ضدها بالمعونة اللوجستية اليمنية التي فتحت أجواءها وأرضها للقوات الجوية الأمريكية واستخباراتها لمتابعة عناصر القاعدة وتوجيه الضربات الموجعة لهم. لكن من سيخرجهم من مخبئهم ويعيدهم من مرقدهم ويعطيهم كأس الحياة للتواجد في المجتمع اليمني من جديد؟ الجواب ببساطة، هو وجود جماعة الحوثي وسيطرتهم على السلطة في صنعاء. والسيناريو الذي يتشكل الآن هو أن الناس سيهرعون إلى القاعدة وكل الجماعات السنية المتطرفة بالمقدار الذي تبسط فيه جماعة الحوثي المتطرفة سيطرتها السياسية، لأن الغالبية السنية تخشى من استبداد الأقلية الشيعية في تكرار لمشهد التصارع المذهبي في العراق وسوريا ولبنان والبحرين. لهذا أتصور أن فرص انتصار القاعدة على الحوثيين في نظري مرتفعة. فالقاعدة تجد في تردي الأوضاع في اليمن فرصة لا مثيل لها لتجنيد مقاتلين جدد. وستحظى بتعاطف شعبي ولو على مضض لأنها تقاتل جماعة أخرى متشددة من الأقلية الشيعية. وستحصل على دعم لوجستي من القبائل اليمنية. إضافة إلى أن القاعدة لها تاريخ وخبرة في مقاتلة الحكومات والحركات الشيعية في العراق وسوريا. بيد أن انتصار أي طرف على الآخر لا يخدم اليمن ولا الدول الإقليمية وأولها المملكة التي تعد اليمن بحق حديقتها الخلفية. فكلا الطرفين أي القاعدة وأنصار الله يناصب العداء للمملكة ودخل في حرب معها. وكلاهما خسر ويريد الانتقام منها متى ما لاحت فرصة في الأفق ولو من بعيد. لقد مثل اليمن في علاقته مع المملكة مستنقعاً سبخاً لا يجف أبداً. فعلى الرغم من أن المملكة ضخت فيه كثيرا من الأموال، ولعبت أدوراً إيجابية في مساعدته على كل الأوجه ولسنين طويلة، ولكن مع الأسف لم يخرج هذا اليمن من حالة التيه الهائلة على كافة المستويات. لذا ومن هنا، فإني أرى أن لا حل آخر للمملكة إلا أن ترمي بكل ثقلها وبكامل أوراقها لإصلاح الوضع اليمني والتعاون في ذلك مع القوى الإقليمية والدولية، وأخذاً في الاعتبار أن كل يوم يمر سيجذر قوة الحوثيين أو القاعدة في اليمن ويوجد له حاضنة شعبية أكبر. إننا لو فتشنا في أوراق الماضي، لربما رأينا أنه كان من الأفضل للمملكة في حربها مع الحوثيين السابقة، لو تغلغلت في الوسط اليمني وقضت عليهم عن بكرة أبيهم، وأراحت نفسها من مواجهتهم أقوى مما مضى حالياً أو مستقبلا. في نفس الوقت، يجب أن تقوم المملكة بتغيير إستراتيجيتها في التعامل مع إيران التي هي أس المشكلات إلى جانب إسرائيل في المنطقة. إذ إن سياسة الاحتواء التي تتبعها المملكة مع إيران بخلطتها الخاصة القائمة على سياسة النفس الطويل، وتلافي المواجهة المباشرة معها والدعوة للجلوس معها على طاولة المفاوضات وتحقيق التفاهمات بين الطرفين إضافة إلى التفرغ لإطفاء حرائقها السياسية التي أشعلتها في العراق وسوريا ولبنان والبحرين، غير كافية من وجهة نظري. إذ لابد من تحقيق توازن عسكري مع القوة الإيرانية لردعها ورفع تكلفة خيار التدخل في شؤون الدول الأخرى وزعزة أمنها.