هوية جامعاتنا حالياً – مع الأسف – لا تستند لا إلى هوية واضحة، ولا لفكر راسخ، ولا لأسس متينة. كما أنها تقوم على جهود أشخاص، لا جهود مؤسسات. عملية نسخ الجامعات ولصقها في أكثر من مكان ساهم إسهاماً كبيراً في غياب هوية الجامعات، وساهم أيضاً في ضعف الانتماء، وتهميش دور الفرد، فضعفت المسؤولية وتردت الرقابة وقدمت المظاهر الزائفة، فكانت النتيجة ضعف دور الجامعات في تحقيق التنمية في البلاد. أصبحنا لا نعرف فيم تتميز هذه الجامعة عن تلك، فكأنما صبت كل الجامعات في قالب واحد، هذا القالب طمس معه أي احتمالية تنوع أو اختلاف أو تميز، سواءً من الناحية الإدارية، أو حتى من الناحية الأكاديمية، فلم تستطع أي من تلك الجامعات أن تخلق لها هوية مميزة. على كل جامعة أن تستمد هويتها من بيئتها المحيطة بها، وتعمل على خدمة أبنائها، وأداء رسالتها العلمية تجاهها. فالتركيز على الهوية في سياسات التخطيط لمؤسساتنا الأكاديمية القائمة منها أو الناشئة يعطي في النهاية مخرجات في غاية الأهمية وعلى درجة من الارتباط بطبيعة البيئة التي توجد فيها وتقوم على خدمتها تلك المؤسسات العلمية. وتحقيق الهوية يحقق تكاملاً حقيقياً بين جامعاتنا، ويوفر لسوق العمل متطلباته. الهوية تعني توقف التركيز على بعض التخصصات بدلاً من الحرص على تنوعها بحيث تغطي كل شأن من شؤون الحياة.. وكل حاجة من حاجات سوق العمل، وتتجاوب أيضاً مع ميول واهتمامات الطلبة والطالبات، وتجمع بين كل ذلك وبين الحرص على خدمة المجتمع الذي توجد فيه.كل جامعة يجب أن تنصرف لخدمة البيئة المحلية أولاً، وبالذات في دراساتها وأبحاثها ومشروعاتها، وكراسيها البحثية، ولا بأس من أن تهتم ببعض التخصصات الأخرى تجاوباً مع حاجات السوق، ومتطلبات البلد، وخطط التنمية المتوازنة للدولة. وحتى الكليات العلمية المتكرر وجودها في أكثر جامعاتنا كالهندسة والطب والعلوم، فإن من المستحسن أن تركز تخصصاتها الدقيقة وبحوثها على احتياجات البيئة المحلية أيضاً. من الأمثلة التي يمكن ذكرها في وجود هوية حقيقة هي جامعة ولاية داكوتا الشمالية في أمريكا. فالمنطقة التي فيها الجامعة مشهورة بالزراعة بل هي المصدر الأساسي للمعيشة في تلك المنطقة، مما حدا الولاية إلى فتح كلية للزراعة سنة 1890م. هذه الكلية تطورت خلال السنين حتى صارت جامعة تملك حالياً 108 تخصصات في البكالوريوس و64 في الماجستير و44 في الدكتوراة. ورغم هذا التطور الكبير فالجامعة حافظت على هويتها الزراعية. فكل التخصصات تتكلم عن الزراعة وتحاول حل مشكلات الزراعة. بل إن كل مجموعة بحثية أو دكتور في الجامعة يجب أن يشمل الزراعة في بحثه لكي يحصل على الدعم المطلوب. بل حتى وصل الأمر إلى إدراج الواجبات الجامعية لمواد لا تتعلق بالزراعة بحل مشكلات زراعية أو تتعلق بالزراعة. فكلية الهندسة والحاسب والإدارة إلخ كلها تشارك في بحوث تتعلق بالزراعة بشكل أو بآخر. هذا هو ما يسمى بالهوية الحقيقة للجامعة.