إن قضاء وقت في السجن وإن كان قصيراً يعد تجربة غير سارة على أقل تقدير عند كثيرين، ولكن أن يكون ذلك الوقت القصير ممتعاً وساراً فإنه أمر يحتاج إلى توضيح. عشت في يوم الثلاثاء الماضي تجربة قضاء ساعة في السجن حيث وصلتني دعوة كريمة من لجنة التنمية الاجتماعية بمحافظة الخفجي لحضور حفل افتتاح «الجناح المثالي» في وحدة سجن الخفجي الذي رعاه سعادة محافظ الخفجي، وحضره مساعد مدير سجون المنطقة الشرقية، ونائب رئيس شركة شيفرون. جاء مشروع الجناح المثالي بعد توقيع شراكة بين لجنة التنمية الاجتماعية ووحدة سجن الخفجي -قبل عدة أشهر- كان من ثمارها هذا المشروع الرائع الذي تكفلت بإنجازه شركة شيفرون عبر رعاية رسمية له. لقد ساهم القصاصون والروائيون العرب بوضع صورة مرعبة ومخيفة للسجون، وصوروا السجان على هيئة مخيفة، فهو عندهم –غالبا- إنسان بلا أحاسيس ولا مشاعر، فض وجاف لا يعرف العطف ولا الرحمة، وبالغ كتاب السيناريو والمخرجون في تضخيم تلك الصورة وتأصيلها، وبسبب ذلك التكثيف ترسخت الصورة في ذهن أغلب مشاهدي السينما والتلفاز فعمموها على جميع السجانين في البلاد العربية. قال الرائد سعود السبيعي – مدير وحدة سجن الخفجي- في كلمته إن الأمير نايف بن عبدالعزيز -يرحمه الله- كان هو الداعم لإنشاء الأجنحة المثالية في السجون، حيث تم إنشاء أول جناح في سجن الملز عام 1415 ه، وحرص على أن تتوفر فيها كل مقومات الإصلاح؛ لتكون بيئة مثالية يضم إليها من لديهم الاستعداد الحقيقي لتغيير سلوكهم واتجاهاتهم، فعمم تطبيقها بعد أن حققت النجاح حتى وصلت إلى أكثر من سبعين جناحاً. أما الأستاذ فلاح المري – نائب رئيس مجلس إدارة لجنة التنمية- فقال: من أبرز أهداف لجان التنمية الاجتماعية إحداث تغيير مقصود في سلوك المواطنين في إطار القيم الإسلامية والعادات العربية الأصيلة؛ لتحقيق نمو متوازن عن طريق استثمار إمكانات وموارد البيئة المحلية المتاحة. وأضاف: إن السجن ليس مقصودا بحد ذاته بل يتوصل به إلى غيره من التأديب واستصلاح النزيل وتقويمه، وأن لجنة التنمية الاجتماعية ووحدة سجن الخفجي لم يكتفيا بترتيب وتأثيث المكان، وتوفير البرامج الترفيهية فحسب، بل وضعتا الخطط والبرامج، وضوابط قبول النزلاء في الجناح المثالي وفق أحدث نظريات تعديل السلوك إلى جانب العلوم الشرعية، وتوفير حلقة للقرآن الكريم -وهو أعظم ما يربى عليه الإنسان- فتم بناء الأهداف الواضحة والقابلة للتنفيذ، وهي: وختم كلمته بقوله: لن تستطيع لجنة التنمية الاجتماعية أن تكمل مشوار النجاح، وأن يظهر عملها إلا بشراكة وتكاتف مع قطاعات التنمية بتسجيل مساندة القطاع الحكومي، وقيام القطاع الاجتماعي بالتخطيط والتنفيذ والمتابعة، والتزام القطاع الأهلي -الخاص- بالدعم المادي والمساندة. أمَّنا الشيخ عطا الله العتيبي -في صلاة الظهر- بمصلى الجناح، وقال في موعظته: من زار سجينا أو عاد مريضا فليحمد الله على العافية، وختمها بقوله: السجينُ الحقيقي هو مَن سُجن قلبُه عن ربِّه، والأسيرُ مَن أسره هواه! تقوم السجون بتوفير البرامج المتميزة للسجناء في الرعاية والإصلاح والتهذيب من أجل تقويم سلوكهم، والوصول بهم إلى الراحة النفسية، وإشعارهم بالطمأنينة، وبث الثقة في نفوسهم، ودفعهم لإعادة التفكير في نظرتهم لمجتمعهم وإعادتهم إليه، والسعي لإقناعهم بتقبل برامج الإصلاح والتوجيه، وتهيئتهم للعودة إلى جادة الصواب؛ ليكونوا قادرين على خدمة أنفسهم. ما رأيته من تميز في الجناح المثالي يؤكد قدرة لجنة التنمية الاجتماعية بمحافظة الخفجي على عقد شراكات ناجحة لتحقيق أهدافها، ولقد أكدت بأن دورها لن يتوقف عند تهيئة الجناح، وتقديم البرنامج للمنتسبين إليه بل ستواصل عملها، وترتقي ببرامجها على مراحل متتابعة، وتعتني بوضع خططها، وتهتم بتقويم دائم لبرامجها؛ لتحقيق أهدافها وهو فهمٌ راقٍ لأهمية المتابعة، والاهتمام بمعيار الجودة المستندة على الكيف لا الكم. سعدت بميل قاضي الخفجي الجديد إلى العمل بالأحكام البديلة رغم تحفظه على المصطلح. وقفة: التزام شركة شيفرون بتجهيز وإعداد الجناح المثالي في وحدة سجن الخفجي يعتبر وعيا من إدارتها بمسؤوليتها الاجتماعية، وتأكيدا منها على ارتباطها بالمجتمع، واستشعاراً لأهمية دورها في التنمية.