زاد دمج مجلس الشورى لمشروع قانون مكافحة التحرش، من حدة الجدل حول موضوع مهم في المجتمع، فبين من يرى أنه لا يشكل ظاهرة مستشرية، وبين من يلمح باتهام جهات في مجلس الشورى بأنها ربما تكون وراء سحبه لوجود ما يتعارض مع مصالح معينة. لكن هذا الجدل قد يكون مفيداً إذا تمخض عن آراء قانونية أو شرعية تساهم في حل إشكال حتى لو لم يصل إلى درجة الظاهرة، ليطمئن المجتمع إلى أن أهم منفذ تشريعي يحميه من أي غوائل قد تتطور وتتفاقم لتصبح مثل السرطان. «الشرق» وقفت على هذه الظاهرة والتقت بعدد من المختصين على اختلاف آرائهم. ففي الوقت الذي أكدت مصادر مطلعة أن مجلس الشورى سحب مشروع قانون مكافحة التحرش، نفى نائب رئيس المجلس عبر «الشرق» سحب القرار، مفيداً بأنه يميل إلى عدم إصدار قوانين جديدة أو استحداث أنظمة، والأفضل هو دمجه مع أنظمة تسير في نفس النهج. وقال نائب رئيس اللجنة الأمنية عضو مجلس الشورى الدكتور نواف الفغم ل «الشرق»: أعتقد أن كثرة استحداث الأنظمة ظاهرة غير صحية، وهذه وجهة نظري، فلدينا نظام جاهز وهو نظام حماية المرأة والطفل، وفيه بعض المواد التي تعنى بالموضوع نفسه -نظام التحرش- ويمكن أن تضاف إليه مواد حتى تكون أسرع في التنفيذ، لأنه عندما تستحدث نظاماً متكاملاً سيحتاج هذا إلى وقت، ولكن عندما تستحدث مواد معينة في نظام جاهز ونافذ فذلك يكون أفضل وأسرع في التنفيذ ويحقق الغرض نفسه. ويقول عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء الدكتور إبراهيم بن ناصر الحمود «إن صح ما أفادته تلك المصادر من سحب قانون التحرش من مجلس الشورى لما ذكره صاحب المصدر، فإني أرى أن ذلك للأسباب التالية: أولاً كونه مختصاً بالجانب الشرعي، لأنه متعلق بالأحوال الشخصية والعقوبات، ثانياً لا يلزم من التحرش وجود الاختلاط كما يقوله المصدر، لأن التحرش له عدة وسائل أخرى لا اختلاط فيها، ثالثاً لا أرى أن التحرش يشكل ظاهرة في مجتمع محافظ مثل المجتمع السعودي، حتى إن وجد. رابعاً فإن حالات التحرش إذا قبضت تحال إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، ومن ثم يحال المتهم إلى المحكمة ويصدر في حقه عقوبة تعزيرية تناسب الحال حسب رأي القاضي، شأنها شأن الحالات المشابهة كالخلوة، فوضع قانون خاص بها يجعل منها ظاهرة وهي ليست كذلك، والمملكة عرف عنها الالتزام بأخلاق الإسلام وآدابه، وهذا ما كسبها سمعة طيبة بين دول العالم الإسلامي. من جهته، قال أستاذ علم النفس الجنائي الدكتور سعود عبدالعزيز الفايز إن قضية التحرش الجنسي تعتبر قضية بالغة التعقيد، بسبب ارتباطها بعوامل اجتماعية متعددة وبكل أنساق المجتمع وتنظيماته المعقدة. وخلص الفاير إلى القول: لهذا يجب أن تشكل لجان تضم المختصين في الشريعة والفقه وعلم الاجتماع وعلم النفس والطب بفروعه والقانون، للإشراف على الدراسات المختصة، التي يجب أن تتم قبل إصدار أي تشريعات أو أنظمة متعلقة بهذه الظاهرة للوصول إلى ما يلي: أولاً، الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة بأنواعها وغالباً ما تندرج تحت ثلاث مجموعات رئيسة، وهي: العوامل الاجتماعية، والنفسية، والبيولوجية. ذلك أنه من منظور علم الاجتماع لا يمكن قصر أسباب المشكلة على سبب واحد مهما كان قوياً، مع ملاحظة أن هناك فروقات بين مصطلح «عوامل» ومصطلح «السببية» يعرفها المختصون. ثانياً، التأكد من مستوى هذه الظاهرة وهل تخرج عن المعدلات المتعارف عليها دولياً، وبمعنى آخر هل هذه القضية تبرز كنمط جنائي يفوق الجرائم الأخرى في المجتمع؟.. إضافة إلى أنه لا يمكن أن يطلق على أي ظاهرة مشكلة اجتماعية ما لم تتوافر فيها المحددات، التي بموجبها نطلق على وضع مصطلح مشكلة أو قضية، وهذه المحددات هي: أن تمس عدداً كبيراً من أفراد المجتمع، وكثرة الحديث عنها بأي وسيلة كانت بحيث يغلب على ذلك الاستمرارية، والشعور بضرورة اتخاذ إجراءات عملية نحوها، وأن يؤثر ذلك على أنظمة المجتمع وعناصر بنائه، ووضع تعريفات ومفاهيم خاصة بها وعدم ربطها بأي قوانين أخرى مشابهة، مثل: قانون الحماية من الإيذاء أو ما شابه ذلك، والغرض من ذلك هو عدم التداخل بين العقوبات بحيث يتحقق الهدف الذي من أجله وضعت قوانين وتشريعات خاصة بها. ثالثاً، يجب أن تنطوي أي تشريعات أو القوانين الخاصة بها على الجانب الوقائي، لأن الاتجاهات الحديثة في علوم الجريمة تركز على الوقاية المجتمعية والموقفية، إضافة إلى ضرورة الاطلاع على رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراة المتعلقة بهذا الموضوع، والأخذ بما توصلت إليه من مقترحات وتوصيات.