الأصل في العلاقة بين المؤسسات التجارية والناس أنها قائمةٌ على عدم الثقة، فهناك شيء فطري يدعو الإنسان إلى كره الأشخاص الذين يقايضونه من أجل الربح، وإذا كان هذا ما يُفترَض أن يكون في هذه المؤسسات سواء كانت محترمة أو غير محترمة، فإنه يتعاظم حين تقوم هذه المؤسسات باستغلالِ الناس والاستقواء عليهم، تماماً كما تفعل البنوك السعودية، عندما قامت بفرض شروطها على الناس وصياغةِ عقودها بشكل هو أقرب إلى الإرغام منه إلى التراضي، مستمدة في ذلك قوتها من ضعف الرقابة المفروضة عليها من مؤسسة النقد، التي يُعتقد أن مهمتَها الوحيدة هي الدفاع عن البنوك، ومساعدتها في تحقيق أعلى نسبة من الأرباح على حساب هؤلاء المغلوبين على أمرهم، إضافةً إلى ما تلقاه من دعم لا محدود من الهيئات الشرعية العاملة معها، حيث تقوم هذه الهيئاتُ بتحريم هذه التعاملات في البداية فإن وجدت تلك البنوك مصممةً على مزاولة هذه الأنشطة بسطت أمامها مجموعةً من الحيل الشرعية لتختار منها ما تشاء، وهكذا تنتقل هذه التعاملات من التحريم إلى التحفظ فالتحليل المشروط فالتحليل المطلق، ولا أعرف مؤسسةً تجاريةً مارست الاستغلال والتسلط وتلاعبت في الأحكام والتشريعات والقوانين والأنظمة كما فعلت بنوكنا المحلية، مع أنَّه ليس لها دورٌ يُذكَر في مجالِ التنمية، ولا خدمة المجتمع، وهي قد اعتادت أن تأخذَ من الوطن كلَّ شيء من غير أن تُقدِمَ له أيَّ شيء، على الرغم من الأرباح المليارية التي تحققها كل عام، ومن المؤسف أنَّ هذه البنوكَ تأسلمت فيما هو في صالحها، وبقيت على ما هي عليه فيما عدا ذلك، فهي على سبيل المثال إسلامية 100% من حيث عدم وجود فائدة على الودائع خشية الوقوع في الربا، لكنها في بعض تعاملاتها تأكل أموال الناس ولا تُبالي، فقيمة الرسوم والتكاليف الإدارية التي تؤخَذُ من العميل حالياً قد تصل إلى ال (2000) ريال، صحيح أنها عُدِّلت في التحديثِ الأول لضوابط التمويل الاستهلاكي الذي سيُطبق بعد أيام بحيث لا تزيدُ عن (1%) أو (5000) ريال، أيهما أقل، لكن الوضع لم يتغير كثيراً، ولست أدري هل هي فائدةٌ أم رسوم؟!، ولا أعرف كيف تتغير الرسومُ بتغير مبلغ التمويل مع أنَّ الجهدَ المبذول واحدٌ!. (تناقض ما لنا إلا السكوت له.. ونستعيذ بمولانا من النار). كذلك فإن البنوك في عملية الإيجار المنتهي بالتملك تقوم بإلزام العميل بدفعِ قيمة التأمين، وتكاليفِ الصيانة غير التشغيلية، وتُبقي السيارة في ملكيتها، وفوق هذا وذلك، تفرض على العميل الراغب بالسفر الحصول على تصريح منها، في إجراء قد لا تجد له مثيلاً في أي بلد آخر، فكل ما يجب أن يُفرَض على العميل عند شراء سيارة بالتقسيط هو عدم قدرته على التصرف بها من حيث البيع ونقل الملكية إلى حين استيفاء الثمن، إضافة إلى ما تمارسه البنوك السعودية من أعمال تعسفية كعملية سحب السيارة من العميل في حال تأخره عن دفع بعض الأقساط، وهو ما دفع شركات التقسيط لممارسة ذات السلوك، كما حدث مع أحد العملاء قبل أشهر حين قامت إحدى الشركات بسحب السيارة من أمام منزله ومماطلتها له في تسليمها أكثر من 11 شهراً، ولحسن حظ العميل أنه توجه إلى القضاء فأنصفه بإسقاط 11 قسطاً و إجراء صيانة مجانية شاملة وعاجلة، كما نُقلت ملكية المركبة لصالحه، إضافة إلى ما تضمنه الحكمُ من السجن أسبوعين والجلد 150 سوطاً لاثنين من موظفي الشركة لتورطهما في سحب سيارة العميل، ولو أنَّ العميلَ استأجر عن طريق أحد البنوك، وتوجه إلى مؤسسة النقد لبقي يراوح مكانه إلى الآن!. ليت قوةَ البنوك السعودية آتيةٌ من قيمة الخدمات التي تقدمها إلى العملاء، لكنها ناتجةٌ عن ممالأة مؤسسة النقد، ودعم الهيئات الشرعية، ولا يمكن للحكومة أن تحمي حقوق المواطنين من المؤسسات التجارية إلا بطريقتين، إما بتشريع أنظمة تكفل حقوق الناس وتقف إلى صفهم، وإما بترك المنافسة مفتوحة بين هذه المؤسسات، فتقدم كل مؤسسة أقصى ما لديها من أجل إرضاء العميل ولو أدّى ذلك إلى إغراق بقية المؤسسات، فيكون العميلُ هو المستفيد في هذه الحالة، كما حدث في حرب الأسعار التي استعرت قبل سنوات بين شركات الألبان فهوت بالأسعار إلى الحضيض، قبل أن تتدخل وزارةُ التجارةِ وتوقف هذه المنافسة لتعاودَ الارتفاع من جديد وتصلَ إلى أسعار لم تصل لها من قبل دون أن يتدخلَ أحد!، ومن المؤسف أن مؤسسة النقد لم تفعل هذا ولا ذاك، فهي لم تحمِ حقوق العملاء من البنوك، ولم تترك المنافسةَ مفتوحةً بين هذه البنوك، فصار العميلُ أمام بنوك هي صورة طبق الأصل عن بعضها إلا فيما ندر، وصارت البنوكُ تفرض شروطها على الناس بلا حسيب أو رقيب، بينما اكتفت الهيئات الشرعية بالحراسة من بعيد!.