عند منحك الثقة للآخرين فإنك تفترض مسبقا تقدير أولئك الذين وثقت بهم وامتنانهم لك.. فتعول على تلك الثقة دون ارتياب من أن يغرسوا يوما خنجرا في ظهرك.. كان لي زميل بالعمل وثقت به فألحقته ضمن فريق كنت قد كلفت برئاسته، كنت أحسن الظن به ذاك الحين، رغم ما ترامى لي من أقاويل حول انتهازيته.. بعد أشهر من انتهاء عملنا كفريق، تواصل معي يطلب مني إرسال مشروع أعددته وأرجأ شرح أسباب طلبه للمشروع لتعجله، أحسنت الظن بنياته، مستلهمة بما أبداه مسبقا من مواقف ناقدة لأولئك الذين يتسلقون على أكتاف غيرهم، أرسلته له مفترضة أنه قد يبشرني بإيجاد متبنّ لمشروعي، دعيت فيما بعد للمشاركة بلجنة تخصصية في جهة رسمية بالوطن كان يعمل بها زميلي حينها مستشارا متفرغا، وفي ختام عمل اللجنة التي استمرت شهرين أدرج بجدول أعمالنا مشروع (مطروح سلفا على تلك الجهة) لنقوم كلجنة بتحديد آلية واضحة لتنفيذه دون أن يوضح لنا من أعده، ولكم أن تتخيلوا الموقف حين اكتشفت في تلك اللحظات أنه لم يكن إلا مشروعي الذي سبق أن طلبه مني زميلي «طبعا مع بعض التغييرات الطفيفة لتهجينه وطمس معالمه». وللمعلومية فإن زميلي الذي اكتشفت بأنه لص للنصوص، لم يحضر كلا الاجتماعين اللذين تمت بهما مناقشة المشروع متعذرا بظروف عائلية. ناقشت ما اكتشفته من سرقة لمشروعي مع رئيس اللجنة، وأعلنت للجميع أن المشروع المطروح عليهم ما هو إلا نسخة من مشروع سبق أن استعاره زميلي مني، ثم طالبت بإبلاغه بضرورة الاعتذار الرسمي وإعادة الحق لصاحبته، لكنه رفض الإفادة بشكل علني درءا للفضيحة، وبرر سرقته للمشروع بأنه كان ينوي الاستنارة به فقط، طبعا نسي كما يبدو أن الاستنارة بالشيء لا تتوافق مع إزالة اسم صاحبته وإجراء تغييرات هامشية عليه. ولاختصر لكم القصة فقد رفضت الاعتذار الشفهي الذي أصر هو عليه لعلمي أنه سيقود لتغييب حقوقي، وتقدمت بشكوى عليه لمدير تلك الجهة التي كنا نعمل تحت مظلتها معا، فما كان منه إلا أن تنصل من المسؤولية وطالبني بعدم إثارة شوشرة لا لزوم لها، أدركت حينها أن الفساد لا يتنامى بالفعل إلا في مرتع خصب يشجع على ظهوره. علمت بعدها بفترة قصيرة أن زميلي اللص قد رشح نفسه لرئاسة القسم الذي أعمل به في الجامعة، كان ذاك الخبر كالصاعقة التي هوت على مسمعي، فيالجرأة ذاك المحتال كي يرى في نفسه الكفاءة بعد فضيحته السابقة ليعود ويرشح نفسه من جديد لتحمل مسؤولية عمل إداري لا يفترض أن يتولاه إلا شخص نزيه ذو سمعة طيبة!!، لم أقف مكتوفة الأيدي وأنا أعلم عنه ما أعلم فاشتكيت لكافة المسؤولين في جهة عملي، لكن الصدمة كانت أن آثر الجميع الصمت والتغاضي إلى أن تم تعيين ذاك الذي سرقني وخان الأمانة رئيسا على القسم. وها أنا الآن أعزائي القراء أضعكم مكاني لتفكروا قليلا بما يمكن أن تكون عليه النتائج، فأنا صاحبة الحق التي اغتيلت حقوقها ولم تجد من ينصفها ويقف معها، هل كان من الممكن أن أصمت وأتناسى وأنغلق على نفسي؟ هل أتغاضى وأنسى وأنا أعلم يقينا أن من سرق زميلته البروفيسورة يمكنه أيضا سرقة أحلام من حوله من المتعاقدين والطلبة؟ هل أقف مكتوفة الأيدي وأنا أراه يقرر كتبه التي تقوم أيضا على سرقات علمية على طلبة قسمنا ويستعين بها طلبة الأقسام المشابهة؟ هل أغض النظر عن تلاعبه ببيع أعمال قائمة على الغش باسم الجامعة لجهات خارجية؟ هل أدفن رأسي بالتراب وأنا أرى مشاهد التقدير والاحتفال بمحتال انتهازي تتوالى مع تتويجه وانتقاله من منصب لآخر؟ الحقيقة أن أبسط ما كان يمكنني عمله بعد هذا الاضطهاد النفسي من جامعتي، هو أن أعلن حقيقة ذاك الزميل المحتال، رافضة محاولات التعتيم والفساد التي تتم بمطابخ جامعاتنا. كنت قد قررت أن أكون جسرا لكشف حقيقة أولئك العابثين مهما كلف الأمر كي لا تموت الضمائر وتضيع الذمم. قد يقول بعضٌ لم لم تلجئي للقضاء؟ وأقول لهؤلاء إن عندي قناعة شخصية أن قضايا الأكاديميين لا ينبغي أن ينظر فيها من غير الجهات الأكاديمية، فعديد من الدول أنشأت لجانا أكاديمية محايدة بوزارات التعليم العالي من ذوي الخبرة البحثية والنزاهة العلمية لمتابعة قضايا الأكاديميين، وجهات أخرى أيضا أنشات لجانا للتحقيق داخل الجامعات تبث وتفصل في قضايا الأكاديميين. وهو أمر مقبول ومنطقي بدلا من أن تجر قضايا الأكاديميين لمحاكم بعيدة كل البعد عن تفاصيل القضايا البحثية والأكاديمية، ما لا يصعب تصديقه بقصتي التي ذكرتها لكم، هو أن زميلي اللص الذي سرق مشروعي (الوطني) هو من توجه لاتهامي عند القضاء بتهمة التشهير به، الغريب في الأمر أن لوائح أنظمة الجرائم المعلوماتية بالمملكة لا تأخذ في الاعتبار إن كان من تم التشهير به هو محتال مخادع أو لص محترف «فتجيز بتلك الثغرة الواضحة لغير النزهاء محاربة الشرفاء، وينطبق علينا هنا المثل القائل «سرقني وبكى وسبقني واشتكى». أعلم علم اليقين أن زميلي المخادع أراد بتلك الشكوى إيهام من حوله بمصداقيته وظلمي له لمآرب في نفسه، وأفهم تماما جرأته في اللجوء للقضاء لمحاكمة من سرقها واستولى على حقها. لكن ما لا أفهمه على الإطلاق تعامل القضاء بتلك الهامشية مع قضايا التحايل العلمي والتركيز على مسألة التشهير فقط بغض النظر عن الأسباب، رغم أنه في جوهره لا يعد تشهيرا بل حقيقة مثبتة لسرقة علمية، وما لا أفهمه أيضا بنفس السياق صمت وزارة التعليم العالي ووقوفها موقف المتفرج من قضايا الغش الأكاديمي بين منسوبيها، وهي تعلم أن جامعاتها لا تقوم بدورها النظامي على الإطلاق وتقود منسوبيها للمحاكم. الحقيقة التي أراها ويراها كثير من الشرفاء غيري أن وحده التشهير سيكون أداة فاعلة لردع وتأديب أولئك اللصوص، وأن قول الحقيقة المثبتة لا يعد تشهيرا بل صدقا وشفافية، فكيف بنا نتناقض بتلك القيم! ما أخشاه حقا هو أن تساهم الأنظمة القانونية في وطني بثغراتها القائمة، إلى تحويل الشريف إلى ظالم واللص إلى مظلوم، لتضيع الحقوق ويغلّب الفساد بين المواطنين.