للراحل الكبير د. محمد عبده يماني مقولة حكيمة تقول بأننا بدأنا السعودة من الزاوية الخطأ. والزاوية الخطأ التي قصدها رحمه الله هي زاوية سعودة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية وكرجل أكاديمي عريق خبر الدنيا والحياة في أكثر من مجال وجد الدكتور يماني أن الجامعات حقل خصب للبحث والتعليم ونقل التجارب والتقاء المدارس المختلفة في التفكير ووجهات النظر، وأن ثراء أي مؤسسة علمية يعتمد على تنوع أفكارها وتعدد مشارب أعضائها مما يمنحها الحيوية اللازمة لتستمر وتبدع وتدفع نمط الحياة في المجتمع نحو الأفضل وما حدث في بداية الطفرة من الاستغناء عن الأساتذة الأجانب سريعاً في جامعات ناشئة قد أضر بتطور تلك الجامعات وانفتاحها على العالم. لكن يبدو أن معالي مدير جامعه الملك سعود (أغنى جامعات المملكة) قد فهم هذه المقولة بشكل آخر. فقد أدلى بتصريح محير نشرته جريدة الحياة في 12-9-2011 يقول فيه بالنص «الجامعة تعاني نقصاً كبيراً في أعضاء هيئة التدريس من النساء، وهو ما دعاها إلى استقطاب الكثير من المعيدات من خارج المملكة». وما عجزت عن فهمه هنا هو الآلية التي قادت الجامعة إلى استنتاج أن البلاد ليس فيها صاحبات كفاءة من النساء اللاتي تنطبق عليهن الشروط ليصبحن معيدات في الجامعة. ترى ما هي تلك الشروط القاسية التي لم تجد في عشرات الألوف من الخريجات وحاملات درجة البكالريوس من كل جامعات المملكة من يستحققن أن يمنحن لقب معيدات في الجامعة؟ وإذا كانت اللائحة الموحدة للجامعات لا تشترط لتعيين المعيد/ المعيدة سوى الحصول على الشهادة الجامعية بتقدير لا يقل عن جيد جداً من جامعة سعودية أو جامعة معترف بها. بالإضافة لشرط مطاطي وهو «ما يضيفه مجلس الجامعة من شروط أخرى». ترى ما هي الشروط الأخرى التي وضعها مجلس الجامعة وعجزت بناتنا في جهات الوطن الأربع عن الوفاء بها؟ أليس من حق المجتمع أن يعرف تلك الشروط؟ وهل هي شروط واقعية وقابلة للتطبيق؟ وهل استطاعت المعيدات الأجنبيات الوفاء بتلك الشروط التي لا يعلمها أحد؟. إن عبارة «ما يضيفه مجلس الجامعة من شروط» الواردة في كل فقرة تخص التعيينات في الجامعات فتحت للأسف باباً كبيراً لتمييع المقاييس والمعايير التي يتم تعيين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بناءً عليها، وجعلت الأمر مرهوناً بدرجة كبيرة للمزاج الشخصي للعميد أو رئيس القسم في تعيين من يراه مناسباً وفق مقاييسه الخاصة التي لا يستطيع أحد محاسبته عليها، لأن أي شكوى أو تظلم توجه للجامعة يتم الرد عليها بأن المتقدم لم يستوف الشروط.. تلك الشروط التي لا تحدها لائحة والتي تحولت إلى عرف غير مكتوب في أروقة الجامعات، فبعض الكليات لا تقبل أي معيد من خارج الكلية مهما كان مستواه ويعتقد مسؤولوها أن الوظيفة مثل البنت لا تُزوج أحد من خارج العائلة. فضلاً عن شبهة التمييز الإيجابي التي قد يحظى بها أقارب المسؤوليين في الكلية أو الجامعة. وليس بغريب أن ترى كلية من الكليات تغص ردهاتها بأعضاء هيئة التدريس من كل جنسيات الأرض عربية وآسيوية بعضهم حديث التخرج بدون خبرة تقريباً، ورغم ذلك تستقبله الكلية بكل سماحة وترحاب ولكنها تشيح بجفاء عن المواطن الذي يحمل ذات المؤهلات وتضع في وجهه العراقيل التي يشيب لها الولدان تحت مسمى «شروط مجلس الجامعة» والتي ولأسباب غير معلومة لا يتم تطبيقها إلا على المواطن الغلبان. من الممكن أن نتفهم أن تستقطب الجامعة كفاءة متميزة في مجالها لتثري البحث العلمي وترفع مستوى الطلاب وأعضاء هيئة التدريس بل هو واجب ينبغي على الجامعات فعله بدلاً من دفع الأموال لمناصب وهمية. لكن ما لا يمكن قبوله هو تعيين معيدات من غير السعوديات في الوقت الذي أصبحت فيه البطالة الهاجس الأول للدولة بكل مسؤوليها. وسؤالي لمعالي مدير الجامعة: هل ستظل المعيدات الأجنبيات على ذات الوظيفة أم سيكملن دارستهن العليا كما يقتضي النظام؟ وهل سيكملنها على حساب الجامعة؟ وهل ستبتعثهن الجامعة للدراسة في الخارج على حسابها كذلك؟ ثمة شيء غريب وغامض في هذا القرار يا معالي المدير، وما لم تبادر بالإيضاح وكشف الحجب فستظل تنبعث منه رائحة غير مستحبة تزكم الأنوف!