لم تكن الهزيمة الكاسحة التي تلقاها المنتخب البرازيلي على يد نظيره الألماني (1-7) في الدور نصف النهائي من مونديال 2014 سوى فصل آخر من مسلسل المفاجآت التي شهدتها كأس العالم منذ انطلاقها عام 1930، لكن بالإمكان تصنيفها كأكبر مفاجأة على الإطلاق. صحيح أن المنتخب الألماني ليس من المنتخبات العادية لكي يتم تصنيف فوزه على البرازيل، حاملة الرقم القياسي بعدد الألقاب (5)، بالمفاجأة لكن النتيجة الكبيرة التي حققها على حساب «سيليساو» في نصف نهائي بطولة يستضيفها الأخير على أرضه تجعله على الأرجح صاحب أكبر مفاجأة في تاريخ النهائيات. فلم يسبق للبرازيل أن خسرت بهذه النتيجة سوى مرة واحدة في تاريخها وتعود إلى عام 1920 حين سقطت أمام جارتها الأوروغواي 0-6 في الدور الأول من كوبا أمريكا، كما أن الأهداف ال 7 التي هزت شباك الحارس جوليو سيزار جعلت منتخب بلاده يعادل أسوأ أداء دفاعي له في العرس الكروي العالمي منذ 1938 حين اهتزت شباكه في 11 مناسبة (اهتزت شباكه في هذه النسخة أمام كرواتياوالكاميرونوتشيلي وكولومبيا بهدف في كل من هذه المباريات ثم 7 أمام ألمانيا). كما كانت المرة الأولى منذ ال 5 من يونيو 1938 التي تهتز بها شباك البرازيل ب 5 أهداف أو أكثر في النهائيات لكنها خرجت حينها فائزة على بولندا 6-5 بعد التمديد في الدور ثمن النهائي، كما أن المرة الأخيرة التي تخسر فيها البرازيل بفارق 5 أهداف أو أكثر تعود إلى ال 5 من مارس 1940 حين سقطت أمام غريمتها الأرجنتين 1-6 في مباراة ودية. وجميع هذه المعطيات التي يضاف إليها أن البرازيل لم تخسر على أرضها على الصعيد الرسمي منذ عام 1975 (أمام البيرو في كوبا أمريكا)، تجعل هزيمة الثلاثاء كأكبر المفاجآت التي عرفتها نهائيات كأس العالم وهي كثيرة جداً منذ انطلاقها عام 1930 لكن ليس بهذا الحجم. ولم تكن الهزيمة التي منيت بها البرازيل المفاجأة الكبرى الوحيدة في نهائيات النسخة ال 20، بل إنها تضاف إلى ما حققته هولندا في الجولة الأولى من منافسات المجموعة الثانية حين اكتسحت إسبانيا 5-1 في إعادة لنهائي نسخة 2010 حين فازت الأخيرة باللقب بفضل هدف سجله أندريس إنييستا في الدقائق الأخيرة من الشوط الإضافي الثاني. وكانت المرة الأولى التي تتلقى فيها شباك إسبانيا 5 أهداف أو أكثر منذ خسارتها أمام إسكتلندا 2-6 في يونيو 1963، علماً أن البرازيل كانت صاحبة أكبر فوز على إسبانيا في كأس العالم (6-1) عام 1950. ويمكن الحديث عن مفاجآت كبرى في تاريخ كأس العالم اعتباراً من 1950 بعد عودتها إلى الساحة مجدداً إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، والمفارقة أن تلك النسخة أقيمت في البرازيل بالذات وكانت أولى مفاجآتها من بيلو هوريزونتي حيث ذل «سيليساو» الثلاثاء على يد ألمانيا، وتمثّل بفوز غير متوقع للولايات المتحدة على إنكلترا بهدف وحيد سجله لاري غايتينز. لكن تلك المفاجأة لم تكن على الإطلاق بأهمية ما حصل لاحقاً في المباراة النهائية حين سقطت البرازيل على ملعب «ماراكانا» الأسطوري 1-2 أمام جارتها الأوروجواي في ما أصبح يعرف لاحقاً ب «ماراكانزو». ثم وقعت «معجزة بيرن» عام 1954 التي لا تزال عالقة في الأذهان حتى يومنا هذا. كان الجميع يرشح منتخب المجر للتتويج بلقب مونديال سويسرا 1954 بالنظر إلى الأداء الباهر الذي كان يقدمه والنتائج التي حققها حيث لم يخسر أي مباراة منذ 14 مايو 1950. وشهد طريق المنتخب المجري العملاق إلى المباراة النهائية تخطيه تركيا (7-0)، وألمانيا (8-3)، بالإضافة إلى انتصارين على البرازيل (4-2) وعلى أوروجواي (4-2 بعد التمديد) في ربع ونصف النهائي على التوالي، قبل أن يجدد الموعد مع الألمان في المباراة النهائية التي استهلها بالتقدم على «مانشافت» 2-0 لكن الأخير انتفض وتمكّن في نهاية المطاف من حسم اللقاء لمصلحته 3-2 ليتوج باللقب الأول من أصل 3 في تاريخه حتى الآن. أما المفاجأة الكبرى التالية فكانت بطلتها البرازيل أيضاً وذلك في عام 1966 في إنجلترا حيث دخلت إلى النهائيات وهي مرشحة للفوز باللقب للمرة الثالثة على التوالي، إلا أنها غادرت إنجلترا مبكراً وخرجت من الدور الأول رغم وجود أغلب نجومها وعلى رأسهم الجوهرة بيليه والجناح غارينشا وتوستاو. ونبقى مع نهائيات 1966 التي شهدت مفاجأتين أخريين كانت كوريا الشمالية بطلتهما بعدما أطاحت بإيطاليا، بطلة 1934 و1938، من الدور الأول بالفوز عليها 1-0 في الجولة الثالثة الأخيرة من منافسات المجموعة الرابعة بفضل هدف لباك دو-إيك. ثم انتظر العالم حتى 1978 ليشهد مفاجأة كبرى تمثلت بفوز إسكتلندا المغمورة على هولندا وصيفة النسخة السابقة 3-2 في الجولة الأخيرة من منافسات المجموعة الرابعة إلا أن ذلك لم يمنع منتخب الطواحين من مواصلة مشواره حتى النهائي الذي سقط فيه مجدداً وهذه المرة أمام الأرجنتين المضيفة. وفي نسخة 1982، كانت الجزائر بطلة المفاجآت بعد أن أصبحت رابع منتخب عربي يبلغ النهائيات بعد مصر والمغرب وتونس. ولم تكن المفاجأة بتأهل الجزائر بل بفوزها على العملاق الألماني في مباراتها الأولى 2-1 قبل أن تتغلب على تشيلي 3-2 في الجولة الثالثة لكنها ودعت النهائيات بسبب «المؤامرة» الشهيرة التي حاكها الألمان والنمسويون في مباراتهما في الجولة الأخيرة. أما المفاجأة الكبرى التالية فكانت في افتتاح مونديال 1990 حين حققت الكاميرون نتيجة لم تكن في الحسبان بإسقاطها الأرجنتين بطلة 1986 بهدف سجله فرانسوا أومام بييك. وفي 2002 عاشت فرنسا نفس السيناريو الذي اختبرته الأرجنتين عام 1990 إذ استهلت حملة الدفاع عن لقب 1998 بهزيمة لم تكن في الحسبان أمام منتخب إفريقي آخر هو السنغال بهدف سجله بابا ديوب. وخلافاً للأرجنتين التي تمكنت في 1990 من مواصلة مشوارها حتى المباراة النهائية، فإن الخسارة أمام السنغال كانت مكلفة جداً لزين الدين زيدان ورفاقه الذين تنازلوا عن اللقب بخروجهم من الدور الأول بعد تلقيهم هزيمة أخرى أمام الدنمارك. ويمكن اعتبار 2002 مونديال المفاجأت بامتياز، لأن الأرجنتين ودعت أيضاً البطولة من الدور الأول، فيما سطرت كوريا الجنوبية، شريكة اليابان في الضيافة، مشواراً أسطورياً بقيادة الهولندي غوس هيدينك إذ تخطت الدور الأول على حساب البرتغال وبولندا وبصحبة الولايات المتحدة ثم أصبحت أول منتخب من خارج أوروبا وأمريكا يصل للدور نصف النهائي بعدما أطاحت بالعملاقين الإيطالي والإسباني من الدورين الثاني وربع النهائي قبل أن تصطدم بالألمان الذين أنهوا مغامرتها (صفر-1). وفي 2010، عاش المنتخب الإيطالي نفس التجربة التي اختبرها جاره الفرنسي قبل 8 أعوام إذ تنازل عن اللقب الذي توّج به في 2006 بخروجه من الدور الأول لمونديال جنوب إفريقيا رغم وجود المدرب مارتشيلو ليبي، مهندس التتويج الرابع لبلاده، ومعظم النجوم الذين قهروا فرنسا بركلات الترجيح قبل 4 أعوام.