لم يُخفِ بعض الأدباء السعوديين استياءهم من عجز الأندية الأدبية عن تقديم عمل ثقافي يليق بالمشهد الأدبي في السعودية، بل أفاض بعضهم في الاستياء من ركوب بعض الأندية الأدبية موجة تكريم شخصيات ثقافية بارزة في المشهد الثقافي بعد سنوات الإقصاء، وكأنَّ هذه الأندية تقدِّر المبدعين وتكرِّمهم، في الوقت الذي يعتبر بعض الأدباء هذا العمل محاولة بائسة لحضور هذه الأندية الأدبية والثقافية من خلال هؤلاء المبدعين. كل هذه التداعيات جاءت على خلفية الفوز المستحقِّ للشاعر عبدالله الصيخان بجائزة العواد للإبداع. الروائي والقاص عمرو العامري يرى أنَّ هذا التكريم لا يتجاوز دعوة وافقت ساعة استجابة، حيث يرى أنَّ تكريم نادي جدة الشاعر عبدالله الصيخان مثلاً هو استحقاق وافق رغبة النادي في التمظهر بمظهر النادي المهتم والمكرِّم للرموز، لأنَّ الشاعر الصيخان كما يقول العامري يستحق هذه الجائزة قبل عشرين عاماً وليس الآن، وكذلك علي الدميني ومحمد العلي ومحمد جبر الحربي ومحمد الثبيتي ومحمد زايد الألمعي وكل رموز الشعر السعودي الذين واجهوا بشجاعة كل أدوات الإقصاء والتهميش والتخوين في تلك المرحلة وظلوا على إيمانهم بمشروعهم التنويري، ومن خلال شجاعتهم الأدبية وحدها تشكلت خارطة الشعر السعودي الحديث. ويضيف العامري أنَّ «فوز الصيخان اليوم والدميني قبل شهور وتكريم الراحل الثبيتي هو استحقاق متأخر وتسوُّل من هذه الأندية لما يواري فشلها الثقافي على مستوى القاعدة، وقد قلت وأكرر هنا إنَّ قامات الصيخان والدميني وغيرهم من الأسماء التي ذكرت أعلى كثيراً وأعمق خلوداً مما تقدِّم الأندية الآن. وهؤلاء الشعراء لم تقدمهم منابر رسمية ولا أندية أدبية ولكنهم صنعوا وعيهم بأنفسهم متوشِّحين بالشرط الإنساني الواعي ولم يهبطوا للتزلف للعامة أو استجداء الاعتراف من أحد». ويضيف العامري أنَّ «كلَّ من يكرمهم النادي اليوم هو يكرم ذاته عبرهم أولاً ثم لكأنه يقدم لهم اعتذاراً عن سنوات التجاهل والصمت. ومع ذلك، شكراً لنادي جدة الأدبي وللجنة جائزة العواد للإبداع تحديداً هذا التكريم، والجميل أن تصل ولو متأخراً خير من ألَّا تصل على الإطلاق». فيما يرى الشاعر عبدالرحمن الموكلي أنَّ «تكريم المبدعين هو دور من ضمن الأدوار المنوطة بالأندية الأدبية… لكن المشكلة أن التكريم ينتهي بالشهادة والحصول على المبلغ المالي، ويضيف الموكلي أنَّ الثقافة مشاريع وصناعة، ومن المعيب أن تدعو الناس لحضور تكريم شاعر ولا توجد سيرة مكتملة عن حياة هذا الشاعر ولا نماذج من شعره توزَّع على الحاضرين.. فوز هؤلاء الشعراء يجب أن يكون حدثاً بحيث تصبح أعماله الشعرية في متناول الجميع ومدار الرسائل الجامعية والترجمة للغات الأخرى… أما أن تتحول هذه الجوائز إلى زفة في نهايتها ينتهي كل شيء فهذا أمر مؤسف». وحول آلية منح الجوائز وكيفيتها، يرى عيسى مشعوف الألمعي أن هناك لغطاً كثيراً في كيفية منح الجوائز ومدى استحقاق الفائزين بها، ويرى أن المحكمين لهذه الجوائز أصبحوا متمكنين منها مثل البوكر ونوبل. وحول جائزة أبها الثقافية لهذا العام، يوجه الألمعي حديثه إلى لجنة التحكيم ويقول «لم تعد هذه الجائزة تختص بالمكان والمسمى، بل إنها أضحت جائزة عابرة لأرض عسير إلى المحلية والخليجية، وهو ما يثقل كاهلها ويجعل التحدي مرهقاً، والمسؤولية مضاعفة، وحديثي هذا ليس عن الجائزة وتفاصيلها الأخرى الصغيرة، بل عن (قضاة الأدب والثقافة) إن صح التعبير، المحكِّمين لهذه الجائزة تحديداً الجديرة بالاحترام، ولا أخفي عليكم أنني قد وجهت اقتراحاً للجهة المسؤولة عن استقبال الأعمال وتوزيعها على المحكِّمين، قلت فيه: لماذا لا تكون لجنة التحكيم من خارج عسير من الأكاديميين المتخصصين في تشريح النصوص علمياً؟ لماذا لا يُعطى الخبز لخبازه؟ لمن يعلمون علماً يقيناً بتقنيات وفنون النصوص الأدبية على اختلاف مستوياتها الفنية؟ فليس كل من كتب قصة قصيرة يصبح مُحكِّماً وهو غير متخصص في تشريح النص الأدبي أكاديمياً وعلمياً وفنياً، فلجنة التحكيم يجب أن تكون من قِبل متخصصين أكاديميين لهم باع وخبرة في مجال الحكم على النص الأدبي ونقده، وجائزة أبها لا تزال منذ تبنِّيها تسير في هذا الطريق التقليدي الرتيب، ينطبق عليها المثل (زيتنا في يدينا) وما زلت أطرح اقتراحي بأن هذه الجائزة لم تعد مناطقية، بل إنها تجاوزت المدى ويجب أن يتم إخضاعها للجنة تحكيم متخصصة من خارج عسير احتراماً لمكانتها وقيمتها.