لو فكَّكنا الفعل الإنساني والمُعترك البشري منذ الخليقة لوجدنا أنَّه عبارة عن رغبات ناتجة عن غرائز بشرية؛ تلك الغرائز تضغط على الإنسان لينتج فعلاً لإشباعها، هذا ينطبق على الفعل البشري بشكل عام، من الحاجات الإنسانية “بشكلها البسيط” مثل الجوع والنفس والعطش؛ حتى نصل إلى أشكال من الغرائز أكثر تعقيدًا مثل التنظيم والإدارة والسياسة والدفاع. جُل تلك التنظيمات – أبسطها وأعقدها- جاء لينظم السيل الجارف من الغرائز البشرية ورغباتها وإشباعاتها، ومن البديهي أنَّ عدم تنظيم تلك الغرائز سيؤدي لفشل التجربة الإنسانية, وهذا أول القواعد البشرية التي بلَّغها لنا الله – سبحانه وتعالى- في قصة أبونا أدم وخروجه من الجنة، فالعبرة ليست في إشباع الغريزة بل في تنظيمها وتأطيرها. هذه المقدمة, سقتها للتأكيد على حقيقة إنسانية, وهي أنَّ تنظيم الفعل البشري ليس خيارًا بل ضرورة, وأنَّ هذا الفعل أن لم يلقى التنظيم المناسب فسيتجه (غرائزيًا) لتنظيم نفسه في قالب (فردي) للحاجات وإشباعاتها, هذه الحقيقة الإنسانية تقول لنا إنَّ غريزة المشاركة عند الإنسان ليست ترفًا وإنَّما حاجة؛ لا بدَّ أنْ يُشبعها, وإن لم تخدمه “التنظيمات والمؤسسات” القائمة في إشباعها؛ فسوف يتجه بشكل “فردي” وربما “فوضوي” حتى يُشبع تلك الحاجة. وبكل بساطة ؛ فإنَّ الحاجة لبناء المؤسسات التي تنظم كل الرغبات الإنسانية عند مجموعة من البشر ليست خيارًا قابلاً للنقاش والرفض والقبول, إنَّما حاجة تدفعها غريزة بشرية؛ إنْ لم يتم التحكم بها وتنظيمها بشكل “مؤسساتي” مقبول؛ فسوف تُخلق مع مرور الزمن أشكالاً “فوضوية” لمحاولة إشباعها , ولذا فإنَّ مأسسة المشاركة والتفاعل والتفكير والثقافة والتطور هي حاجات إنسانية طبيعية وليست ترفًا يمكن السكوت عنه أو إهماله أو تأجيله, وعلينا أن نتحمَّل فوضوية إهمالنا لبناء المؤسسات المدنية التي تنظم تلك الغرائز الإنسانية الطبيعية.