طالعتنا الصحف قبل أيام بخبر لقاء وزير الخدمة المدنية الدكتور عبدالرحمن البراك، بعدد من مراجعي وزارته في فرعيها بحائل والرياض، وذلك عبر شبكة الاتصال المرئي المباشر، في خطوة يُراد منها تخفيف العبء عن المراجعين وتكبُّد عناء السفر والتنقل لمقابلة الوزير. ويوجد الوزير حسب الخبر يومي الأحد والأربعاء من كل أسبوع لهذه المقابلة ال«أون لاين». إن كفاءة أي تنظيم إداري تعتمد بشكل أساس على كفاءة الاتصالات الداخلية والخارجية فيه، وأي خلل أو ضعف يصيب نظام الاتصال سيؤثر سلباً على التنظيم بأكمله، وقد يحجبه ويعزله عن العالم المحيط به. وهذا مع الأسف هو حال كثير من الدوائر الحكومية لعقود مضت، حيث النظام البيروقراطي المتبع الذي يرتكز على سلطة المكتب المركزي لمدير الجهاز وتسلسل السلطة من الإدارة العليا إلى المرؤوسين وإصدار الأوامر والتعليمات دون ارتداد التواصل العكسي من المرؤوسين إلى الأعلى، مما قد يسبب عدم فهم الأوامر وبالتالي عدم تنفيذها على الوجه الصحيح، أو في بعض الأحيان عدم تنفيذها من الأساس. إن سوء وضعف نظام الاتصال والتواصل ينعكس بالسلب أيضاً على المراجعين والمستفيدين من خدمات الوزارة أو الجهاز الإداري الحكومي، فهم الضحية التي تدفع الثمن من وقتها ومالها عندما تقوم برحلات مكوكية لمراجعة المعاملات بين الصادر والوارد وجمع التواقيع وانتظار انتهاء الموظفين من فطورهم الصباحي، وإلى آخره من بقية السلسلة المعروفة لإنهاء المعاملات والإجراءات الحكومية التي تنتهي وتكون خاتمتها في الغالب بالعبارة الشهيرة «راجعنا بكره»! يظن كثيرون أن البيروقراطية بعبع مخيف وشبح قاتم، أو أنها وصف لأسلوب إداري فاسد متقاعس، والحقيقة خلاف ذلك تماماً، فالبيروقراطية في أساس نشأتها منتصف القرن ال18 كانت حلاً لتنظيم العمل عبر «المكتب المركزي»، أي مركزية السلطة، وقد تزامنت مع نهاية عصر الإقطاع والتخلص من الأنظمة التي سخرت العبيد للعمل في المزارع إلى نظام الأجور وظهور المصانع وبداية العلاقة الحقيقية بين الرئيس والمرؤوس والحاجة إلى التخصص في أنماط العمل. ولم تكن هذه التطورات الإدارية في المعمل والمصنع فقط، بل شملت الجهاز السياسي وظهور الدول الحديثة وتشكُّل الوزارات والدوائر الحكومية التي أُنيط بها حمل عبء التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عن طريق المركزية أو البيروقراطية. إلا أنه مع بداية عصر السرعة وما عقبه من تطور هائل في وسائل الاتصال والتواصل أصبح النظام البيروقراطي عاجزاً عن مجاراة الركب الحضاري الذي لا ينتظر أحداً، وأصبح من غير المنطقي التشدق به والعالم يخطو نحو الحكومات الإلكترونية والاستغناء عن الملفات الخضراء وأطنان الورق وحبر الأختام الأزرق، نحن لا نملك خياراً إلا التماشي مع الركب الحضاري العالمي، بما يضمن لنا موضع قدم في هذه القرية العالمية الصغيرة التي لا تخفى فيها خافية، التي يستطيع أفرادها التواصل على مدى ال24 ساعة دون أي عقبات أو موانع. آمُل من جميع وزرائنا ووزاراتنا أن يحذوا حذو وزير الخدمة المدنية وأن يخصصوا من أوقات دوامهم الرسمية ساعات يطلوا فيها على المراجعين مباشرة ليتلمَّسوا همومهم ومشكلاتهم، وليعالجوا مواطن الخلل والقصور ويتخذوا الإجراءات السريعة الفورية «أون لاين»!