إذا أردت أن تتعرف على خطورة السحر فانظر إلى حال من يصاب به من بعض أفراد المجتمع، ثم تخيّل أن كل المجتمع مصاب به، فماذا يكون حال المجتمع، لا شك أنه يكون مجتمعاً تسوده أعلى درجات الفوضوية والانحلال، والتخلف والجهل والمرض والفقر والانحدار الإنساني الحضاري ومما لا شك فيه أن الله تعالى حينما حرّم السحر حرّمه لما فيه من مفاسد دينية ودنيوية لا تصل إلى حد الفرد وحده وإنما تصل هذه المفاسد إلى المجتمعات بأسرها، جرائم سحر وشعوذة تمارس مع سبق الإصرار والترصد وسط طقوس ومراسم لا تقل خطورة عن جرائم اختطاف الأطفال، الاغتصاب، القتل العمد، لكنها جرائم ظلت منسية، بعيدة عن إسقاط عقوبة الإعدام، أو تطبيق الحد الشرعي، فكثير من الحالات خرقت الخيط الرفيع الفاصل بين الحق والباطل في هذا الشأن، بين التوحيد والشرك، وبين الإيمان والكفر في لحظة غضب. قطرة من بحر ما يحدث في عالم السحر والدجل في مجتمعنا، بعدما أصبح ملجأ لكثير من المواطنين هروباً من مشكلات الحياة وانكساراتها، وفشل مختلف المنظومات الصحية والتربوية والدينية والأخلاقية، وأيضاً قفز على القناعة بما قدر في الحياة «النصيب»، وما الطوابير المتراصة منذ الفجر وحتى المبيت ليلاً، أمام مقرات «مصحات» هؤلاء الرقاة والمشعوذين إلا دليل حي. فالأمر لم يقف عند الاستعانة بالرقية الشرعية بل أضحى اللجوء إلى استعمال مختلف أنواع السحر والشعوذة والدجل ظاهرة اجتماعية عامة، تتجاوز المصلحة الذاتية إلى سلوكيات اجتماعية مريضة، سادية وأنانية، لا تتوانى في الإضرار بالآخر والتلذذ بتألمه ومعاناته. يعتقد كثير من الناس أن زوار السحرة والمشعوذين معظمهم من جنس النساء لكن الحقيقة إن فئة كبيرة من المثقفين والمتعلمين وكبراء المناصب هم زوار السحرة والمشعوذين وإن كانت اهتماماتهم مختلفة إلا أن أغلبهم يبحثون عن علاج للعجز الجنسي وطرق وأساليب لتوسيع الرزق، وإبعاد العين والمحبة. ورغم أن الدين الإسلامي سعى لمحاربة هذه الظاهرة، إلا أن ضعف النفوس ممن يسكنهم الغل، الحقد، الحسد والرغبة في الانتقام والإضرار بالآخرين ما زالوا يدقون وبشدة أبواب المشعوذين والدجالين وغيرهم من «بائعي الوهم»، لبحث سبل تساعدهم في تحقيق غاياتهم، معتقدين أن الخور والعقاقير السحرية تحقق أحلامهم، متحدين إرادة ربّ الكون وأصوات الأئمة والدعاة المرتفعة في منابر المساجد والمنادية بوضع حد للسحر والشعوذة. وأمام انتشار هذه الظاهرة الاجتماعية إلى حد الاستفحال وتحولها إلى خطر ومرض يهدد القيم المجتمعية والأخلاقية وحتى المساس بالعقيدة يجب على الدولة وأجهزتها والمجتمع بأسره الوقوف ضد السحرة وإنزال العقوبة بقوة وصرامة حتى لا تتعدى حدود الله.